تطرق خطاب الرئيس السيسي، في الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى محددات وأهداف السياسة الخارجية المصرية تجاه قضايا الإقليم، ابتداء من الإرهاب، وتماسك الدولة الوطنية، وانعكاس تلك المبادئ على السلوك المصري تجاه الملفات السورية، واليمنية، والليبية، والفلسطينية، وملف حوض النيل مجددا، والدعوة مرة ثانية للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للتوصل إلى تسوية.
الملاحظ أن جدول أعمال الرئيس في نيويورك قد تضمن لقاءات مع عدد من القادة، كالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الفلسطيني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، أكدت كلها مضمون الرؤية المصرية للملف الفلسطيني، خاصة في ظل التطورات الأخيرة بين "فتح" و"حماس"، وأيضا التطورات الحادثة في الإقليم.
تضمن الجانب الأكبر من فعاليات زيارات الرئيس في نيويورك لقاءات بعدد من الشخصيات، والمؤسسات، والجهات الاقتصادية الأمريكية المانحة والمستثمرة. فقد حضر الرئيس احتفال مجلس الأعمال للتفاهم الدولي، وهو منظمة تشجع الحوار بين القادة السياسيين ومجتمعات الأعمال في جميع دول العالم، ويضم في عضويته مديري الشركات الأمريكية، وصناديق الاستثمار، وشركات إدارة الأصول والمحافظ المالية فى الولايات المتحدة. كما التقى السيسي أعضاء غرفة التجارة الأمريكية، ومجلس الأعمال المصري الأمريكي. وأكد الجانب الأمريكي، خلال اللقاء، تشكيل مجموعات عمل لدراسة الإمكانات المتاحة لإقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين، فضلا عن اقتراح تنظيم منتدى للاستثمار فى مصر خلال العام القادم لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة أمام الشركات الامريكية.
تعكس فعاليات النشاط الخارجي للرئيس محددات السياسة المصرية، التي نبعت من تحديات الداخل المصري، المتعلقة بالتحديات المرتبطة بالاستثمار وفرص العمل، مما دفع مصر إلى مقاربة سياسة خارجية، يمكن أن نطلق عليها "دبلوماسية التنمية"، حيث توظيف نشاط الخارج لخدمة أهداف الداخل. ويتأكد ذلك المسعى من الحرص في كل زيارة على لقاء شخصيات، وجهات اقتصادية، ورؤساء الشركات العالمية، فضلا عن استمرار اصطحاب وفد مكون من وزراء المجموعة الاقتصادية.
لقد أصبحت دبلوماسية التنمية أحد الأبعاد الرئيسية في سياسة مصر الخارجية منذ 2014، حيث إن السمة العامة لغالبية مشاركة الرئيس في الفعاليات الدولية والأممية لدعم التعاون الاقتصادي بين مصر ودول العالم، تهدف إلى تعزيز الأنشطة الاستثمارية. فمعظم لقاءاته وتحركاته تنصب بشكل رئيسي على استهداف التنمية، سواء باستعراض ما تم داخل مصر من إصلاحات اقتصادية وتشريعية، أو وفتح حوار، ومناقشات مع رجال الأعمال.
ويتخذ الرئيس من تلك الفعاليات فرصة للتركيز على المزايا التى تتمتع بها مصر، مثل كبر حجم السوق المصرى، وإمكانية التصدير من خلاله إلى التكتلات الاقتصادية التي ترتبط معها مصر باتفاقيات تجارية فى إفريقيا والعالم العربى، فضلا عن توضيح ما يتخذ فى مصر من إصلاحات اقتصادية وتشريعية، استهدفت استقرار سوق النقد الأجنبى، وزيادة الاحتياطى منه.
الجدير بالذكر أن دبلوماسية التنمية لم تقتصر على نشاطات الخارج، بل إنه في ظل موقف إدارة أوباما المتعنت تجاه مصر، كان هناك حرص مصرى على استمرار التواصل مع الوفود من غرفة التجارة الأمريكية، بعيدا عن الموقف السياسي من الإدارة الأمريكية. لقد تمثلت أهم ملامح السياسة الخارجية، في السنوات الأربع الأخيرة، في ازدياد نشاط الدبلوماسية الرئاسية التي مركزها سفرات الرئيس الخارجية، ثم توجيه تلك الدبلوماسية لخدمة التنمية، أي تفعيل دبلوماسية التنمية، ثم نجاح الخارجية المصرية في توطيد وضع مصر في المنظمات الدولية والأممية .
وبالعودة إلى زيارة نيويورك الأخيرة بالأمم المتحدة، فمن اللافت في خطاب السيسي هو تركيزه على التنمية عالميا، وأزمات النظام الاقتصادي العالمي، والمطالبة بتضييق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الدول المتقدمة والنامية. فقد أكد الرئيس ذلك، قائلا في خطابه إن "أي فرصة يمكن أن تكون متاحة أمام الدول النامية، متى صح عزمها على تبنى إصلاحات اقتصادية شاملة تعالج أوجه الخلل فى إدارتها لمواردها، بدون معالجة جذرية لأوجه الخلل فى الأوضاع الاقتصادية العالمية، وذلك عبر المزيد من إشراك العالم النامى فى هيكل الحوكمة الاقتصادية العالمية، وتيسير نفاذه إلى التمويل الميسر، والأسواق، ونقل التكنولوجيا".
وفي النهاية، يمكن القول إن خطاب الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اختلف عن سابقيه في شموليته، وانتقاله ما بين البعد الاقتصادي العالمي، والقضايا المتفجرة في المنطقة من إرهاب، وتنظيمات مسلحة، ومحاولات تفكيك الدولة الوطنية، بالإضافة إلى الخلاف مع إثيوبيا وحوض النيل، والملفات السورية، واليمنية، والليبية، والفلسطينية.