أعلنت تركيا عن افتتاح أول قاعدة عسكرية لها في الصومال، تقع على بعد كيلومترين من العاصمة مقديشيو، وتبلغ مساحتها نحو 400 كيلومتر مربع، وتضم ثلاث مدارس عسكرية للتدريب العسكري، إضافة إلى مخازن للأسلحة والذخيرة، وبلغت تكلفتها المالية 50 مليون دولار تقريبا.
يأتي تأسيس تلك القاعدة في توقيت تشهد فيه منطقة القرن الإفريقي تنافسًا إقليميًا ودوليًا، خاصة أن تلك المنطقة تتمتع بأهمية جيوسياسية كبرى، كونها منفذا ومعبرا مهما يطل على البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، الذي يعد أحد أهم المضايق المائية في العالم.
الأسباب والدوافع:
استهلت تركيا العمل بالقاعدة بإرسال 200 عسكري لتدريب ما يقرب من10500 عنصر من قوات الجيش الصومالي، وسط ترحيب صومالي على المستويين الرسمي والشعبي. ويرجع تطور العلاقات التركية- الصومالية في الفترة الأخيرة، خاصة من الجانب التركي، إلى عدة أسباب، هي كالآتى:
الترويج للصناعة العسكرية التركية، وفتح أسواق جديدة لبيع السلاح التركي في القارة الإفريقية، كونها تعد سوقا مهمة وكبيرة في ظل الصراعات والنزاعات التي تشهدها معظم دول القارة، وانتشار التنظيمات الإرهابية، وتصاعد نشاطاتها .
تعزيز الحضور التركي في منطقة القرن الإفريقي، نظرا لأهميتها الاستراتيجية، ومن ثم تكثف تركيا من جهودها وتحركاتها للعب دور إقليمي، وإيجاد موطئ قدم في المنطقة، لاسيما في الصومال، التى تتمتع بأهمية جيواستراتيجية، كونها تقع في قلب مسرح الأحداث الإقليمية، بما يجعلها بمنزلة العمق الاستراتيجي للأمن القومي العربي، لقربها الجغرافي من منطقة الخليج العربي، ومنطقة الشرق الأوسط، كما أنها تطل على البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، والتي تسعى تركيا لتأكيد وجودها ونفوذها عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
حماية المصالح الاقتصادية التركية في القارة الإفريقية، والبحث عن المزيد من الاستثمارات في منطقة شرق إفريقيا، والقرن الإفريقي، حيث يمنح الوجود في هذه المنطقة لتركيا العديد من المميزات على جميع المستويات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والعسكرية. ففي الوقت الذي يبلغ فيه حجم الاستثمارات التركية المباشرة في إفريقيا نحو 6 مليارات دولار، تستحوذ منطقة شرق إفريقيا على نصفها تقريبًا، ويبلغ نصيب الصومال منها نحو 100 مليون دولار.
استغلال الصومال كذراع عسكرية لتركيا في المنطقة، وكبوابة استراتيجية لها بهدف تعميق وتعزيز علاقاتها مع دول الجوار في المنطقة لتوسيع نطاقها الإقليمي في القرن الإفريقي، مثل إثيوبيا.
مواجهة تنامي نفوذ بعض القوى الإقليمية والدولية، مثل إيران، وإسرائيل، والصين، ومحاولة تطويق ومحاصرة تحركات بعض القوى الأخرى، مثل مصر، في إطار التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في المنطقة، إضافة إلى السعي نحو تقديم نفسها كبديل إقليمي كفء وجاهز لتحقيق وحماية مصالح وأهداف القوى الغربية والولايات المتحدة في المنطقة، في إطار استراتيجيتها الرامية إلى بناء قوة ونفوذ، يخلق منها قوة عظمى سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا.
تداعيات محتملة:
تتمثل أبرز التداعيات المحتملة لتأسيس القاعدة العسكرية التركية في الصومال فيما يأتى:
تأزم العلاقات: من المحتمل أن تتأزم العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات الصومالية، في ظل رفض بعض حكام الولايات، ورؤساء القبائل والعشائر إقامة قواعد عسكرية على الأراضي الصومالية. كما أن هناك توجسا لدى البعض منهم تجاه الدور التركي في الصومال، وأنه لا يستهدف المساعدات الإنسانية فحسب، بل يتجاوز الأمر أهدافا أخرى.
تزايد معدل العمليات الإرهابية: فمن المرجح أن تتزايد العمليات الإرهابية من حركة الشباب المجاهدين، حيث يرى قادتها أن القاعدة العسكرية التركية في البلاد بمنزلة احتلال تركي للأراضي الصومالية، ومن ثم يجب مقاومته، مما يهدد بمزيد من عدم الاستقرار والأمن في البلاد.
تخفيض النفقات التركية: حيث إن تدريب القوات التركية على أرضها يساعد في خفض نسبة كبيرة من التكاليف المالية التي تتحملها الحكومة التركية، المتعلقة بالتدريب، والسفر، والمعيشة لعناصر الجيش الصومالي المدربة في تركيا، وهو ما يجعل افتتاح القاعدة في مقديشو بمنزلة ادخار للمزيد من النفقات التي تتكبدها خزانة الحكومة التركية.
تنافس إقليمي ودولي: حيث إن وجود قاعدة عسكرية تركية في الصومال قد يؤدي إلى تنافس إقليمي ودولي في منطقة القرن الإفريقي، وهو ما يهدد أمن واستقرار المنطقة، ويفتح الباب أمام ما يسمى "حرب القواعد العسكرية".
تراجع دور وحضور القوات الإفريقية لحفظ السلام في الصومال –أميسوم- في القيام بمهامها المنوطة بها، والتي يأتي ضمنها تدريب عناصر الجيش الصومالي، مما ينذر بتقليل أعداد تلك القوات، نتيجة خفض المساعدات المخصصة لها من قبل الدول الأوروبية، والمؤسسات الدولية المانحة.
مخاطر إقليمية: فقد يمثل وجود قاعدة عسكرية تركية بعض المخاطر على الأمن القومي المصري، خاصة أن منطقة القرن الإفريقي تمثل امتدادًا وعمقًا استراتيجيًا لمصر.
في النهاية، يمكن القول إن تركيا تدعم دورها العسكري في الصومال من خلال لعب دور إنساني، حيث تروج وسائل الإعلام التركية أن تركيا لها دور في معالجة الأزمات التي تتعرض لها الصومال منذ 2011، ومنها الأزمات الإنسانية، نتيجة الجفاف والمجاعة، إضافة إلى تنفيذ العديد من المشروعات الاستثمارية، والتنموية، والخيرية في البلاد.