يرجع انتشار ظاهرة الكراهية في المجتمعات العربية، بعد الثورات العربية في عام 2011، إلى تنامي العنف، والتطرف، والطائفية مقابل تراجع قيم التسامح، والتعايش، والعفو، الأمر الذي يدعو لتأمل واقع ما تشهده الساحة العربية من حروب طائفية وأهلية، وحروب بالوكالة، وهو ما يصب في النهاية فى تحقيق مصالح القوى الكبرى في العالم.
وتعد صناعة الكراهية بين المجتمعات إحدى أهم أدوات الجيل الرابع باستخدام أدوات القوى الناعمة، المتمثلة في توجيه وتمويل وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنظمات المجتمع المدني. وهناك تساؤلات عديدة يطرحها انتشار هذه الظاهرة، وتعدد آليات دعمها، لعل أهمها: من الذي يصنع الكراهية؟ ولماذا يصنعها؟ وما هي مستويات صناعة الكراهية؟ وما هي مخاطر صناعة الكراهية، وكيفية مواجهتها؟.
- فن صناعة الكراهية:
تعد صناعة الكراهية واحدة من الأدوات المؤثرة في إشعال الحروب النفسية لتفتيت البنى الاجتماعية للدولة. فإذا كانت الحروب العسكرية تستهدف الوجود المادي للإنسان، فإن الحروب النفسية تستهدف الوجود المعنوي له من خلال التأثير فى آراء وسلوك المجتمعات المستهدفة.
وتتمثل أهم وسائل صناعة الكراهية في نشر الأكاذيب، والتلاعب النفسي، وتزييف الحقائق، وتزوير الواقع، وهذا ما يؤدي إلى التغذية بالكراهية، وتوفير البيئة الفكرية والعقائدية الحاضنة للعنف، والإرهاب. ويمكن تقسيم أنواع الكراهية إلى كراهية اجتماعية، وثقافية. وتعد الكراهية الدينية أخطر الأنواع، ويقصد بها ذلك النمط الذي يتصل بالمجال الديني، ويتحدد به. بينما تنشأ الكراهية الاجتماعية نتيجة أسباب نفسية، تنبع من الأوضاع السياسية، أو الاجتماعية، كما تعد الخطابات الوطنية، والدينية، والسياسية المتشددة مصدرا لنشر الكراهية الثقافية.
ويلاحظ أن الكراهية تنمو بقوة داخل المجتمعات غير المستقرة، التي تعاني انقسامات طائفية وقبلية، مع غياب الأطر القانونية والسياسية التي تنظم إدارة التنوع داخل هذه المجتمعات. كما تزداد الكراهية كلما تم استغلال التوظيف السياسي للمكون الطائفي، أو العرقي، أو القبلي ضد الدولة، مثلما يحدث في سوريا، حيث تمثل الأقليات العرقية والطائفية مدخلا لإمكانية افتعال فتنة، يتم من خلالها رفع رايات الاضطهاد، والتهميش لضرب استقرار الدولة، وتحويلها لدولة فاشلة.
- صناعة الكراهية:
ثمة اختلافات جوهرية بين ثقافة الغرب وثقافة الشرق في صناعة الكراهية. ففي حين تقرر ثقافتنا العربية والإسلامية احترام الإنسان، وحقه في العيش والكرامة، وتدعو إلى التعايش، والتفاعل الإيجابي بين الشعوب والحضارات، تؤمن ثقافة الغرب المادية بالحق في العيش برفاهية، حتى لو كان ذلك على حساب بقية الشعوب الأخرى، وهذا ما ساعد في تكريس مفهوم صناعة الكراهية، بدءا بمفهوم صراع الحضارات، ونهاية التاريخ.
لم يتوان الغرب عن استحداث طرق وأساليب حديثة للسيطرة على مقدرات الأمم، حيث أسهمت ثورة المعلومات والتكنولوجيا في تطوير أساليب، ووسائل الحروب، حتى أصبحت الحرب باستخدام القوى الناعمة soft power أفضل الطرق للسيطرة على عقول، وقلوب، وثروات الدول، خاصة الدول العربية. فجاءت دعوة الغرب لنشر الديمقراطية كمدخل لاحتلال العراق2003، ثم الدعوة للتغيير عقب ما يسمى بالربيع العربي بعد عام 2011 ، والذي كان من أهم نتائجه انتشار الفوضى، وإثارة النعرات الطائفية، والعنف، والإرهاب في المنطقة.
- مستويات الكراهية:
ولصناعة الكراهية نماذج مختلفة، سواء على المستوى الأفقي العالمي، أو الدولي، أي إشاعة الفرقة والانقسام، وإشعال الصراعات بين الدول والشعوب بعضها بعضا، أو على مستوى رأسي بممارسة صناعة الكراهية داخل أبناء الدولة، أو الأمة الواحدة، أو الدين الواحد.
ولعل الصورة الذهنية للعرب والمسلمين لدى شعوب الدول الغربية تعد أبرز الأمثلة لصناعة الكراهية على المستوى الأفقي العالمي، حيث عمدت دوائر غربية وأمريكية لتشويه صوره العرب والمسلمين، خاصة بعد أحداث وقوع 11 سبتمبر 2001. ورأينا رواجاً لظاهرة (الإسلامو- فوبيا)، ثم تطور الأمر بعد اندلاع ما يسمى الربيع العربي، وانتشرت الفوضى في أرجاء المنطقة، التي خلفت وراءها أبرز صور العنف والإرهاب، والتي تجلت بظهور تنظيم الدولة (داعش).
ويمكن أن توجه صناعة الكراهية ضد أبناء الدين الواحد، أو الأمة الواحدة، وذلك لخلق الأزمات، وإثارة الفتنة، والتعصب المذهبي، والقبلي. وبالتالي، يدمر الوطن بأيدي أبنائه، أي أن التدمير هنا يكون من الداخل، وليس من الخارج، ودون أن يتكلف مشعلو الحروب أي تكاليف. ويعد الصراع في العراق، واليمن، وليبيا أبرز الأمثلة لصناعة الكراهية داخل أبناء الوطن والواحد، ويكون الهدف في النهاية إشغال أبناء الوطن عن قضاياهم الأساسية، وإضعاف إيمان الشعب بعقيدته، وأفكاره، ومبادئه القومية، والوطنية.
- المهددات ومخاطرها:
يعد استخدام الكراهية إحدى أدوات الحروب اللامتماثلة، التي تهدف لضرب "الاستقرار الأمني للدولة"، من خلال نشر الأكاذيب لترويع الرأي العام، وإثارة فزع الجماهير، الأمر الذي يقود في النهاية إلى زعزعة أوضاعها، واستقرارها الاقتصادي والسياسي، حيث تصبح شرعية النظام السياسي، والسلطة الحاكمة هي المستهدف بغرض الانتقاص من شرعيتها، ووضعها دائما في صورة النظام الضعيف غير القادر على الوفاء بمتطلبات شعبه. ويمهد لكل هذا توجيه الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي واستخدامهما لإشعال نيران الفتنة بين أبناء الوطن الواحد .
وتتميز وسائل والتواصل الاجتماعي والمنتديات بالفورية، وسرعة التواصل والتفاعل المباشر، ومن ثم الوصول لأكبر عدد من الأفراد والمجموعات الوطنية والعالمية لتؤثر في معتقداتهم ومعنوياتهم، والسيطرة على مشاعرهم لجعلهم يرون العدو صديقاً، والصديق عدوا. كما تعد سهولة إخفاء الهوية مدخلا لبث خطاب الكراهية بين المجموعات والأفراد، خاصة في المجتمعات التي تتميز بالتنوع والتعدد العرقي، والثقافي، والطائفي .
ويركز هذا النوع من الحروب على استهداف الشباب. ويعد الفراغ الفكري، وغياب الرؤية المستقبلية والإحباط لدى الشباب من أسباب انتشار خطاب الكراهية والفكر المتطرف، وممارسة العنف. إذ تشكل عوامل، مثل ضعف الثقة بالنفس، وانخفاض المستوى الثقافي، وسطحية الفكر من أهم الأسباب المؤدية بالشباب للانضمام للتنظيمات والحركات المتطرفة. كما أن نشر الكراهية، واستهداف الترابط المجتمعي يفتحان الباب لاستخدام العنف، والإرهاب ضد الآخر، الأمر الذي يفرض على الدولة والنظام الحاكم مواجهته بأعلى تكلفة.
- طرق المواجهة:
يعكس الوضع المضطرب الذي تعانيه المجتمعات العربية خطورة صناعة الكراهية، والحروب النفسية التي تشنها القوى الاستعمارية لاستنفاذها، والتأثير فيها سلبيا، وضرب استقرارها، واستغلال مواردها، وضمان الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، مما يفرض على الدول العربية التعاون لمواجهه هذا النوع من الحروب.
ويستوجب هذا الوضع على الدول العربية كافة ضرورة توافر استراتيجية قومية عربية موحده ضد العنف، والتطرف، والإرهاب لإرساء قيم التسامح، والعفو، وتعزيز فكرة الانفتاح على الآخر، وغرس القيم والسلوك الإيجابي. ولتكن القواعد التي أرساها (جون لوك) ضوابط من يتعداها لا يمكن التسامح معه. كما يجب الاهتمام بالمواطن العربي، وتثقيفه، وتوجيهه لقضيته الأساسية. أيضا، يجب على الدولة أن تعمل على تجديد الخطاب الديني ليتواكب مع مستجدات العصر. كما تستوجب محاربة الكراهية إزالة مختلف أشكال التمييز، وإرساء الأسس الداعمة للهوية الوطنية، وحث المواطنين على رفع راية الوطن، مما يعزز حس المسئولية الوطنية لديهم، فضلا عن سن تشريعات وقوانين فعالة لمكافحة التمييز والكراهية.
كما يكون من الضروري على الدولة مواجهة حالة الفراغ الفكري لدى الشباب، وتدريبهم على الفكر النقدي، وذلك لتجنب إثارة الفتن، مع التأكد من أي مواد إعلامية تحض على الكراهية، والعنف، يتم بثها عبر شبكة الإنترنت، فضلاَ عن استغلال طاقة الشباب، وتربيتهم على ثقافة العمل التطوعي لخدمة المجتمعات، وتنمية الشعور بالمسئولية الوطنية، وزرع قيم التسامح، والعفو، وحب الوطن. كما يجب على الدول أن تضطلع بدورها الأساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة كسبيل أساسي لمواجهة الإرهاب، والفقر، وخفض نسبة البطالة، والحد من الفساد، وزيادة الاستثمارات.