أثارت كلمة مندوب قطر في الجامعة العربية عاصفة من الجدل، وجددت حالة القلق والتوتر العربي بسبب الأزمات، التي يفجرها نظام الحمدين في الإمارة الخليجية الصغيرة، وتحديها المستمر لمطالب الدول العربية والمجتمع الدولي بالتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية.
فاقت التصرفات القطرية الحمقى كل التصورات، وأكدت انسلاخها عن الجسد العربي، مقابل الاستمرار في دور الأداة في يد القوى العظمى، التي تتلاعب بها لمصالحها، وتدفع بحكامها لإنفاق ثروات الشعب القطري على شراء أسلحة ومعدات لعناصر إرهابية من أجل مد تلك الجماعات بما يلزمها، حتى تمارس مهام قذرة لحساب الدول الكبرى. بالأمس، كان ذلك لإسقاط الاتحاد السوفيتي عبر حرب أفغانستان، واليوم محاولة تطويق وحصار الصين بحزام ناسف من التكفيريين والمسلحين الذين وصلوا لحدود النمر الآسيوي.
ومن الواضح أن القوى الدولية الكبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، لم تمل من لعبة استخدام الجماعات الإرهابية، والإخوان تحديدا، في مواجهة خصومها، أو التحكم عن بعد في مناطق ذات أبعاد استراتيجية بالنسبة لهم. لذلك، لم تصنف الولايات المتحدة الإخوان رغم كل جرائمهم كجماعة إرهابية، وظلت بريطانيا تحتفظ بقياداتهم ومحفظتهم المالية. وخلف الستار، تساند القوتان العظميان نظام الحمدين لتحدى كل الدول العربية، بل وتمارسان الضغوط على الرباعي العربي من أجل رفع الحصار عن قطر، واستكمال مشروعها في دعم الجماعة، وغيرها من الجماعات الإرهابية للاستفادة بها في المستقبل ضد أي قوى تنافسهما على عرش العالم.
ولذلك، كان مندوب قطر يمارس التبجح، والتدليس، والتزوير، والمظلومية أمام الكاميرات، بل وارتكب خطأ دبلوماسيا فادحا بوصف إيران بالدولة الشريفة لمساندتها قطر، لكن أى دولة شريفة تلك التى تقوم بنشر شبكات تجسسها على جيرانها في الكويت، والسعودية، والبحرين؟ بل أى شرف في حرق السفارة السعودية، ثم التحريض على تدويل الإشراف على بيت الله الحرام؟ هل ما يقصده هو شرف التجسس والتآمر على أمن واستقرار الدول، كما تفعل قطر؟ هل هذا هو الشرف بالمعيار القطري؟
لقد التزم الرباعي العربي بأقصى درجات ضبط النفس، وقبل كل المساعي الدبلوماسية، ولكن قطر لم ولن تستجيب لشعورها بالقوة بسبب الدعم الذى تقدمه لها الدول العظمى في الخفاء. وما قام به أميرها من تحريف للحقائق، وتلاعب بمصالح الدول العربية يستدعى التفكير جدياً من جانب الدول العربية في تعليق عضوية قطر في الجامعة، وإبعادها عن أي نشاط دبلوماسي مشترك، فلا هي طرف عربي أمين، ولا يعنيها مصالح وأمن باقي الدول العربية، وتدعم الإرهاب الذى تدفع مصر ثمنه من أرواح أولادها.
كما كان من ثمار المقاطعة أن الوضع في سوريا أصبح مستقراً، وفى اليمن يتحسن، وفى العراق يتطور. فالإرهاب انحسر بعد محاصرة مشيخة قطر. وحالة الانكشاف الاستراتيجي التي تعيشها كشفت كل الخطوط الخلفية المستغلة لإمداد تلك الجماعات بالسلاح والمال، مما مكن تلك الدول من كشف تلك التنظيمات، أو أسهم في تعطلها عن العمل، فضلا عن أن عدم استجابة قطر ومماطلتها يستدعيان من الرباعي العربي التحرك إلى الأمام، خاصة أن قطر بدأت تتحرك باتجاه إيران وتركيا، وكلتا الدولتين لديها أطماع معروفة في الخليج العربي، وتحتفظ بتاريخ أسود به الكثير من محاولات الهيمنة والسيطرة، وهو ما يعنى تهديدا جديدا لدول الخليج من جانب مشيخة قطر.
اختار نظام "الحمدين "- نسبة إلى حمد والد تميم، وحمد بن جاسم وزير خارجيته السابق- أن ينسلخ من الجسد العربي، وأن يتحول إلى خنجر في الظهر، معتمدا على تنظيم راديكالي فاشي لم تتمكن المساحيق الإعلامية القطرية، أو البريطانية، أو الامريكية، من أن تخفى وجهه الدميم، ولم يبق أمام الرباعي العربي سوى إنهاء مهزلة وجوده بين العرب في جامعتهم.
في الماضي، كانت رياح التنوير تتحرك من الغرب إلى الشرق، والمستشرقون يصفون ذلك بالحداثة التي أنقذت الشرق من التأخر والانعزال. الصورة تغيرت، بل تبدو معكوسة. فالغرب يحمى دعاة التطرف أصحاب الأفكار الماضوية، ويؤوي قادة الإرهاب، ويرفض تسليمهم لمحاكمتهم، بينما الدول التي تعلى من قيم التسامح، والمواطنة، وتكافح الإرهاب تتهم بانتهاك حقوق الإنسان. ذلك التصور ليس رسماً سرياليا يجنح بالخيال، بل واقع نعيشه في الشرق الأوسط.