نقلاً عن صحيفة " العرب "
2017/09/13
القفز فوق الأزمة الحقيقية واختصارها بالدفاع عن السيادة القطرية، ومحاولة تعويم الإرهاب بربطه بالمصالح التجارية والاقتصادية، لن يؤدي إلا للمزيد من العثرات وبعد المسافة عن البيت الخليجي والعربي.
من بين الأخطاء الفادحة انسياق بعض التنظيمات والدول في التصفيات المنهجية للآخرين فكريا واقتصاديا وجسديا. داخل هذا الانسياق يكمن انتحارها البطيء لأنها ببساطة في نشوة اندفاعها بمصادر قوتها الخاصة لا تلتفت إلى شرك خطيئة مميتة تمنع تماما التحقيق مع الذات ومواجهة الأسئلة والتخلي ولو قليلا عن الثرثرة والتهريج.
هل السلطة في دولة قطر تتجاهل حقيقة أن علاقاتها مع النظام الإيراني، في وجه آخر منها، تمثل تهديدا للعرب ولمجلس تعاون دول الخليج العربي وفي هذه المرحلة تحديدا؟
لماذا تستمر قطر في مراوغاتها حول نقطة تتعلق بظاهر مقاطعة المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر لها، أي بمعالجة ما يعرف بأزمة قطر من تاريخ 5 يونيو وما بعد ذلك اليوم؟
عشرون سنة من الأزمة في غاطس تأثيرها على الأحداث أما الإشهار فرغم تداعياته الإعلامية إلا أنه ليس جوهر الأزمة، والمطالب الـ13 المطروحة هي حلول سياسية تحاصر جنون الإرهاب وانفلات التطرف المسلح لتقليل نسبة الجرائم والقتل الجماعي وتهديد الأمن المجتمعي وإيقاف التمويل والتحريض وتحجيم أنشطة القيادات وتقييد حركتها، وهي دون أدنى شك تحظى برعاية ودعم قطري صريح بما تعتبره ملاذا لهم وحماية من الملاحقات القضائية التي تطالهم في بلدانهم، أو لاعتبارات لها صلة بالحرب على الإرهاب.
القفز فوق الأزمة الحقيقية واختصارها بمرافعة دفاع عن السيادة القطرية، ومحاولة تعويم الإرهاب بربطه بالمصالح التجارية والاقتصادية والمقتنيات في دول أوروبا وغيرها وتدويله في لعبة الوساطات والمفاوضات والإعلام، لن يؤدي إلا للمزيد من العثرات وبعد المسافة عن البيت الخليجي والعربي.
كم خسرت أمتنا العربية بسبب غياب القرار العربي المُلزم، والذي كان من المفروض أن تنصاع دولنا إليه دون الحـاجة إلى خوض مخاطر وتبعات تدويل مختلف قضايانا ومطب التفاهمات على فرض نفوذ المصالح الإقليمية وطموحات الفرقاء بالمجتمع الدولي.
صدر بيان مشترك عن الدول الأربع تعقيبا على ما قاله أمير دولة الكويت في المؤتمر الصحافي مع الرئيس الأميركي عن نجاح الوساطة الكويتية بوقف التدخل العسكري أكدت فيه أن الخيار العسكري في الأزمة القطرية لم ولن يكون مطروحا.
هذا هو الرهان العربي لإعادة قطر إلى رشدها ومنعها من تصفية طاقاتها واستنزاف مواردها وغدها، مقابل رهان السلطات القطرية على مشاريع الإسلام السياسي وأخطرها المشروع الإيراني الذي تمدد في العديد من الدول العربية إثر انهيار العراق في أبريل من العام 2003 تحت واقع الاحتلال الأميركي بمبررات القضاء على أسلحة الدمار الشامل. تلك ظروف تلتها انهيارات ما سمي بثورات الربيع العربي في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
ثمة وقائع جديدة على الأرض، فالقيادة في دولة قطر مطلوب منها قراءة الحرب على الإرهاب قراءة مختلفة لا ترتبط بدفع النفقات أو فاتورات محاسبة المجاميع الهزيلة المتوحشة المنقـادة بإرادات سياسية استثمرت في تدجين البسطاء باليأس والتطرف الديني والمذهبي، أو رفع اليد عنها فحسب، إنما تتعداها إلى اكتشاف لعبة الأمم وترصين دفاعاتها ليس بالسلاح والقواعد العسكرية فتلك الرهانات ما كانت لولا المصالح المسبقة. دولة صغيرة كدولة قطر قوتها من قوة محيطها وحاضنتها العربية والخليجية وفي نمط تنميتها وعلاقاتها الدولية المستقرة.
دولة قطر ربما سقطت في مصيدة الربيع العربي لكن سقوطها لم يكن سقوطا مدويا. السقوط الفضيحة كان مع ثورة الشعب المصري على تنظيم الإخوان. انحياز الإعلام القطري، وتحديدا قناة الجزيرة، أفقد المتابعين العرب عموما وبالإحصائيات صلتهم بها.
تم اختصار قطر كدولة في تنظيم الإخوان، وقناة الجزيرة حولت قطر إلى جزيرة معزولة فعلا بأيديولوجيا تبنت التطرف وحمل السلاح والاغتيالات وصناعة الفوضى في عالمنا العربي، وامتدت إلى فرعيات وغايات وشبكات أخطر بكثير من دور البسطاء المغرر بهم كضحايا أو كوقود في محرقة التنظيمات الإرهابية.
قنوات أخرى غير الجزيرة أيضا انخفضت نسبة مشاهديها لأنها تحولت بين ليلة وأخرى إلى قنوات للشتيمة وفقدان الأعصاب والتحريض على العنف في طرح ساذج لهويتها التي كانت تختفي خلف ستار من المهنية والتوازن وطرح الآراء رغم الدس الاحترافي الضمني.
قنوات عراقية أقل تأثيرا وتمويلا حين وجد صوت الناس فيها مكانا في زمن الأحزاب الإيرانية الإسلامية تم غلقها ومنع بثها، لمجرد أنها تنتقد سياسة حكومة أو فسادا وإرهابا وتهجيرا وموتا معلنا.
الإرهاب وقنواته الإعلامية لا يختصر على التنظيمات المستهدفة بالحرب على الإرهاب. ماذا عن الدول التي ترعى الإرهاب بأنظمتها وأحزابها والتي تتفنن بالدفاع عن شعارات الديمقراطية وصناديق الانتخاب؟
كيف نصف ونعلل وصول الإخوان المسلمين إلى حكم مصر، أو تولي حزب الدعوة حكم العراق، أو كيف نصف الانتخابات الإيرانية تحت حكم المرشد الولي الفقيه أو فوز حماس الانتخابي أو النظام الحاكم في سوريا؟، أليست هذه إرادة شعب ابتلي بأفكار الإسلام السياسي في غياب التعليم وانتشار الأمية والبطالة وانعدام الرعاية الصحية وعدم احترام الحياة أو فقدان الرغبة في العيش؟ الشعوب في هكذا أنظمة ديمقراطية تنتحر بإرادتها بصناديق الانتخاب.
ألم تحرض إيران وإعلامها المأجور لغايات متعددة على تحشيد الرأي العام لحتمية استهداف قطر بعمل عسكري من قبل دول الخليج؟ الإرهابيون عادة في التوصيف هم خارج السلطة، لكن ماذا عن دور السلطات الإرهابية ومشاريعها؟
تساؤل تعتمد عليه دولة قطر يتكرر عن علاقات تجارية لدول خليجية مع إيران. فلماذا التركيز على علاقة قطر التجارية مع إيران؟ وهذا الاستغراب ينم إما عن عدم دراية وحنكة سياسية، وإما أن القصد منه إيجاد مبرر لعلاقة يراها العرب ودول الخليج مصدر خطر حقيقي وهو واقع في التمدد الإيراني واحتلال المدن العربية وتدميرها وبث الفرقة والتناحر والحروب المذهبية في العراق وسوريا واليمن ولبنان وبمؤامرات لها أول وليس لها آخر. تراها قطر مجرد مصالح تجارية كباقي الدول الخليجية المعنية بمقاطعتها.
ما تقوله قطر في تساؤلها يصب في العلاقة الجوهرية للعرب مع شعوب العالم ومنها الشعوب الإيرانية، وهي من طبيعة العرب باحترام تاريخهم بما فيه من شخصيات فكرية وإنسانية لدى الطرفين أثرت الأمل بعودة إيران إلى دورها في استقرار المنطقة وتقدمها بعد زوال نظام الملالي الذي أسرف حتى على نفسه بالظلم والتجاوز والحماقات.
علاقة قطر المرفوضة مع إيران لا علاقة لها بإرهاب تجاري، بل بإرهاب المشروع الإيراني السياسي المتطرف المذهبي الميليشياوي.
التباكي في المحافل الدولية على حد تعبير وزير الخارجية المصري، أو اللطم على حد تعبير وزير خارجية البحرين لن يجدي قطر نفعا في التهرب من التزاماتها في الكف عن دعم الإرهاب.
الواقع دائما أكثر صدقا من المناورات والتصريحات وحتى الأخبار. ولا رهان لقطر إلا على أمتها العربية وأسرتها الخليجية، فالحكمة تقتضي من قطر أن تفتح بابها وتستجيب عندما تستمع إلى دقات تحذير عنيفة من أهلها على بابها، لأنهم جميعا في قلب العاصفة.