وأنت تتصفح بعض التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية حول حقوق الإنسان في مصر، منذ ثورة الـ 30 من يونيو، ستجد أنها أُعدت عن سوء نية، وتضليل متعمد، حيث تضمنت أخطاء واضحة، واستنتاجات دون دليل، واستدلالا يتنافى مع المنطق والمنهجية، التي يجب أن تتضمنها تقارير المنظمات الدولية.
الأهداف المشبوهة، وغير المعلنة في عمل تلك المنظمات، والتي يُعد من أكثرها عداء لمصر منظمة "هيومان رايتس ووتش"، التي نشأت في سياق الحرب الباردة، والتي ارتبطت بخدمة الهيمنة الأمريكية، والالتزام بتوجهاتها السياسية تجاه الدول النامية- أثرت تأثيرًا مباشرًا فى مضمون تقاريرها، وغايتها، خاصة بعد ثورة يونيو، مما جعل تقاريرها حول حقوق الإنسان في مصر تتسم بالإفراط والإسهاب، وبالتالي خرجت عن الموضوعية.
"هيومان رايتس ووتش" لم تعتمد في تقاريرها، سواء (التقرير المتعلق بفض ميداني رابعة والنهضة، أو في تقريرها الأخير، الصادر في سبتمبر 2017، والذي احتوى على 44 صفحة، ادعت فيها وقائع تعذيب في مصر)، على منهج استقصائي بحثي يركز على الشهود المرتبطين بالوقائع، سواء من أفراد وزارتي الداخلية والصحة، أو من تقارير صادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان.
فيما يتعلق بفض ميداني رابعة والنهضة، لم يركز تقرير تلك المنظمة المشبوهة على الشهود المرتبطين بالواقعة، سواء من سكان المنطقة، أو حتى من رصد الصحف المصرية المستقلة والحزبية، بالإضافة إلى أن من أعدوا التقرير لم تكن لديهم خبرة قانونية أو قضائية، مما أفقده الحيادية، وجعله يأخذ مسارًا آخر غير المسار الذي اتخذه التقرير الصادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي التزم بالمهنية، واعتمد على آليات عمل تمثلت في اللقاءات الميدانية، والوجود فترة بالميدان لمدة عشرة أيام لتقصي الحقائق، ومخاطبة الصحف ومراسليها، كما خاطب المجلس وزارتى الداخلية، والصحة، ومصلحة الطب الشرعي للحصول على المعلومات اللازمة، فضلا عن عقد لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني المصرية.
لقد جاء تقرير "هيومان رايتس ووتش" عن أحداث فض ميدانَي رابعة والنهضة متحيزًا، وتم توظيفه سياسيًّا، بدايةً من عنوانه، للأسباب الآتية:
1- إن التقرير تجاهل ما حدث خلال اعتصامي رابعة والنهضة، خلال الفترة من 21 يونيو وحتى 14 أغسطس، والذي تجلى في وجود وقائع تعذيب لمواطنين، ووجود بعض الأسلحة داخل الاعتصامين، فضلا عن تعطيل مصالح الناس من قطع الطرق، لاسيما أن منطقتي رابعة والنهضة تقعان في قلب العاصمة، مما أصاب المناطق المجاورة لهما بالشلل التام، وتوقف أوجه الحياة بها.
2- إن التقرير لم يذكر عدد القتلى في صفوف الجيش والشرطة، حيث قدر عدد الوفيات في القوات التي قامت بعملية الفض بما يقرب من 117 شهيدًا، بما يؤكد وجود أسلحة داخل الاعتصام.
3- تجاهل التقرير ربط الإخوان بالعنف الذي انفجر في ربوع مصر، لاسيما في سيناء، وعودة المعزول محمد مرسي، فضلا عن التهديد بشن عمليات إرهابية، وهو ما حدث بعد ذلك في استخدام السيارات المفخخة في تنفيذ تفجيرات بمديريتَي أمن القاهرة والدقهلية.
4- لم يبرز التقرير الاعتداءات على الكنائس المصرية في مختلف محافظات مصر، أو الاعتداء على أقسام الشرطة، خاصة مذبحة قسم كرداسة التي عكست الجانب الوحشي لمن قام بتنفيذها.
5- تجاهل التقرير المتغير الأهم، وهو أن ثمة ثورة قامت في مصر في الثلاثين من يونيو، وأن عدم استجابة السلطات آنذاك لمطالبها كان سيُنذر بدخول مصر في حرب دينية، كان المخطط لها أن تكون قاعدة لانطلاقها إلى باقي دول الإقليم، وذلك في حال استمرار خضوعها لحكم التنظيمات الدينية التي تبلورت تحت غطاء الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، وبدت مؤشراتها الأولية في الخامس عشر من يونيو 2013 عندما امتلأ استاد القاهرة بكل تنظيمات التطرف الديني في مؤتمر "الأمة المصرية لنصرة الجهاد في سوريا"، وهو المؤتمر الذي مثَّل المرجعية الفكرية التي ألهمت رابعة ومن فيها خطابًا فكريًّا إقصائيًّا تخندق حول مسألة الشرعية بمفهومها الضيق، وإنكارًا للواقع الذي تجاوزها.
أما في تقرير "هيومان رايتس ووتش"، الأخير، فقد تعمدت تلك المنظمة تشويه صورة الأمن المصري بهدف تأجيج الرأي العام فقد العام ضده. فيلاحظ علي هذا التقرير أنه اعتمد على مصادر من جماعة الإخوان، وصفحاتهم على "الفيس بوك"، حيث إنه استخدم عبارات عامة، وتشابه كثيرا مع سابقه "تقرير رابعة والنهضة" في التضخيم، والإسهاب، والخروج عن الموضوعية. فقد ادعى التقرير أن تعذيب المتعقلين يتم بشكل روتيني بوسائل أتصور أنها اختفت من جميع السجون المصرية.
كما ادعى التقرير، كذبا، أن النيابة العامة المصرية تجاهلت شكاوى المحتجزين. وهنا، لابد أن نشير إلى أن من كتبوا هذا التقرير إما قصدوا تجاهل دور إدارة التعاون الدولي بالنيابة العامة، -وهي إدارة تتبع مكتب النائب العام مباشرة- أو أنهم لم يسمعوا عن تلك الإدارة ودورها في تلقي شكاوى المساجين، وسرعة الرد عليها. والذي لا تعرفه "هيومان رايتس ووتش" هو أن إدارة التعاون الدولي، أو نيابة التعاون الدولي، يسمح لها القانون بأن تحقق في جميع التقارير الطبية المتعلقة بالمساجين، ولها الحق فى أن تستدعي إدارات الطب الشرعي في مختلف المحافظات للتأكد من مدى صحة شكاوى المساجين، وهذا ما يشير إلى وجود طريق بديل، في حالة تعثر وزارة الداخلية في الرد، وإن كان ذلك لا يحدث كثيرا.
ويمكن أيضا الرد على هذا التقرير، من خلال تحليل البيان الصادر عن لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب في 6 سبتمبر 2017، حيث ذكر أن الزيارات الدورية لأعضاء اللجنة للسجون والأقسام لم تجد تلك التجاوزات التي كررها التقرير. وذكر البيان أيضا أنه بفحص حالات الاختفاء القسري التي وردت إلى اللجنة، وجد أنها إما محبوسة على ذمة قضايا، أو انضم أفرادها إلى أحد التنظيمات الإرهابية، أو هجرة غير شرعية، وأن 99% من الشكاوى التي وردت إلى اللجنة كانت على الشاكلة نفسها.
ومن اللازم، بعد ما سبق ذكره، أن أتساءل: من أين حصلت تلك المنظمة على أعداد المتعقلين؟ وكيف تحدثت معهم؟ حيث قال تقريرها إن "19 معتقلا سابقا وأسرة معتقل آخر تعرضوا للتعذيب بين عامي 2014 و2016، فكيف تعرفت هذه المنظمة على هذه الأسر، وهي تخفى أسماء من تم التحدث معهم في التقرير؟. وقال خالد "29 سنة- وقال فلان، ولم تحدد اسما بالكامل، يمكن أن يحقق في شكواه من قبل جهات أخرى.
تشابه مضمون تقارير تلك المنظمات، منذ 30 يونيو 2013، قد يكشف عن أن الموقف العدائي لهذه المنظمات الحقوقية، خاصة " هيومان رايتس ووتش" تجاه مصر، وراءه أولاد التنظيم الدولي للإخوان، المتعلمون في جامعات أجنبية، حيث حرص التنظيم على تغلغل بعضهم في المنظمات الحقوقية. وقد تكون "الفاعلة" الأكثر نشاطا في هذا الجيل في تشويه صورة مصر هي سلمى أشرف عبد الغفار، التي تعرف نفسها بأنها مدير ملف مصر في منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأمريكية.
وسلمي هي نجلة القيادي الإخواني أشرف عبدالغفار، المتهم في قضية التنظيم الدولي للإخوان، والموجود حاليا خارج البلاد، هربا من تنفيذ أحكام عليه، حيث حكم عليه بالسجن لمدة 5 أعوام بتهمة غسل الأموال، ولكن الرئيس المعزول محمد مرسي أصدر له عفوا رئاسيا عقب توليه السلطة.
هذه الحقوقية المشبوهة انتقلت للعمل في منظمة "هيومان رايتس ووتش" بعد أن تركت العمل في منظمة " الكرامة لحقوق الإنسان" الموجودة على قائمة الإرهاب الأمريكي. ومنظمة الكرامة يرأسها قطري يدعي عبدالرحمن النعيمي، ومقرها جنيف، وفرضت الولايات المتحدة عليها عقوبات بسبب اتهامات وجهت لها بتمويل تنظيم القاعدة.
"سلمى" تجولت بين العديد من المنظمات الحقوقية التي تعمل ضد مصر، وهو ما يفسر تطابق آراء هذه المنظمات حول حقوق الإنسان في مصر، والاتهامات المتكرة لوزارة الداخلية المصرية. فقد عملت في مؤسسة الكرامة، التي أصدرت عدة تقاير قبل ثورة 2011. أما بعد ثورة 30 يونيو، فجميع التقارير التي شاركت فيها "سلمى" كانت تشكك في تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن المجلس القومي لحقوق الانسان المصري، وفي التقارير الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، خاصة خلال الفترة الواقعة بين دخولها مصر مع أحداث ثورة يناير، وصعود الإخوان وخروجها منها بعد أحداث فض رابعة، والتحاقها بالمجموعة الإخوانية الهاربة.
نشاط "سلمى" لم يتوقف عند هذا الحد، بل ازداد قوة، وأصبح متعدد الاتجاهات، خاصة بعد أن أصبحت فاعلا رئيسيا في منظمة " هيومان رايتس ووتش"، فقد قامت باستغلال تقاريرها الحقوقية، بالتعاون مع مؤسسات أخرى معادية لمصر، في دعم الفريق القانوني الدولي، الذى يتعاون معه التنظيم الدولي للإخوان منذ ثورة يونيو.
سيظل الدور المشبوه لـ "سلمى" وغيرها من شباب الجماعة مستمرا ضد مصر، ووزارة داخليتها بالأخص، بل قد يتسع الدور ويصبح أكثر قوة، وينتقل خلال الفترة المقبلة إلى مزيد من الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية، المقربة لجماعة الإخوان، والتي وصفها البعض بـ " أذرع الإخوان في أمريكا". ستبقى "سلمى" وغيرها حلقة وصل بين منظمات تكره مصر، أو بينها وبين صحف ووسائل إعلام تقوم بالدور نفسه، الذي يستهدف تشويه مصر، مقابل رفض الاعتراف بما أقرته الحكومة المصرية باعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية. وهذا التقارب كان واضحا فى أثناء اتحاد تلك المنظمات، وهذه الصحف، ووسائل الإعلام في شن حملة إعلامية، في فبراير 2017، من أجل الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين ضد قرار إدارة دونالد ترامب تصنيف التنظيم الدولي كمنظمة إرهابية، وطرد أعضائها خارج الولايات المتحدة.
هذا التعاون بين بعض المنظمات الحقوقية الغربية، التي على رأسها "هيومان رايتس وواتش"، وبعض وسائل الإعلام الأمريكية، سيتماسك من أجل مهاجمة مصر، ما دام موقف السلطة والمجتمع من جماعة الإخوان باقيا. ففي أي مأزق محتمل قد تتعرض له جماعة الإخوان، في أي دولة من الدول التي توجد فيها فروعها أو الهاربون منها، سيتحول الدفاع عن جماعة الإخوان إلى هجوم عن الدولة المصرية ومؤسساتها، وهذا يمكن أن نسترجعه من الحملة التي نظمها التنظيم الدولي للاخوان في وسائل الإعلام لإيصال رسالته في حملة الدفاع عن الجماعة حين انطلقت من صحف " نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وول ستريت جورنال، والجزيرة القطرية الإنجليزية، وميدل إيست أي، وميدل إيست مونيتور، ورويترز، ومجلة بوليتيكو" وتؤكد أن تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية سيتسبب في عواقب وخيمة للسياسة الخارجية.
كما أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" كان لها أيضا النصيب في هذه الحملة، فقد اتخذت نفس خط تلك الصحف ووسائل الإعلام الغربية، ورأت أن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية سيؤدي إلى مساواتها خطأً بجماعات متطرفة عنيفة، كالقاعدة وتنظيم "داعش"، وسينزع الشرعية عن أنشطتها القانونية. وادعت تلك المنظمة أن مساعى واشنطن لتصنيف الإخوان كـ"منظمة إرهابية أجنبية" من شأنه تهديد حق المسلمين فى تشكيل جماعات داخل الولايات المتحدة، ويقوض قدرة أعضاء وأنصار الإخوان على المشاركة فى الحياة السياسية الديمقراطية فى الخارج.
في النهاية، يمكن القول إن منظمة "هيومن رايتس ووتش" تلعب دورا مدفوعا مسبقا في تشويه صورة مصر لمصلحة جماعة الإخوان، وبدعم مادي من قطر، وتركيا، واللوبي الصهيوني بهدف زعزعة استقرار مصر لمحاولة فقد الثقة بين النظام والجمهور، وهو ما يمكن وصفه بإحدى آليات حروب الجيل الرابع وما بعدها.