تحليلات - مصر

تأثيرات الاتفاق المصري- الألماني حول ملف الهجرة

  • 7-9-2017

.
طباعة
مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في ألمانيا، أعلنت الحكومة الألمانية التوصل إلى اتفاق مع القاهرة، فى 27 أغسطس 2017، حول التعاون في مجال الهجرة، وذلك في سياق التوجهات الأوروبية لتخفيف حدة تدفقات الهجرة واللجوء، كما الحال مع الاتفاق التركي – الأوروبي في مارس 2016.
 
يأتى ذلك الاتفاق المصري- الألماني حول الهجرة في إطار سعي برلين للحد من التداعيات السلبية لذلك الملف، وسط حالة من الترقب لما ستؤدي إليه الانتخابات العامة القادمة في ألمانيا، المزمع إجراؤها فى الرابع والعشرين من سبتمبر الجارى من نتائج ستحدد مستقبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وما إذا كانت ستتمكن من الفوز بولاية رابعة، أم ستفقد منصبها التي احتفظت به منذ عام 2005، لاسيما في ظل انتقادات من المعارضة بسبب سياسات "الباب المفتوح" التي اتبعتها ميركل إزاء ملف اللجوء والهجرة. 
 
تداعيات سلبية :
 
لقد أفرز الانتشار المطرد لظاهرة اللاجئين، على اختلاف "خرائط التصدير"، حزمة تداعيات سلبية على الصعيدين السياسي والأمني، خاصة للدول المستقبلة لموجات الهجرة، وفى مقدمتها ألمانيا. ومن أبرز تلك التداعيات حدوث اختلال في التوازن السياسي، والطبيعة الديموغرافية والسكانية، بل وإحداث أزمة هوية لدى البلدان الأوروبية، في ظل تصاعد اليمين المتطرف.
 
يضاف لذلك مخاطر اختلاط ملفي الهجرة والإرهاب، خاصة بعد تصاعد العمليات الإرهابية في العديد من الدول الأوروبية، مثل بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، حيث ربطت بعض الأحزاب الأوروبية المتطرفة - خاصة في ألمانيا - بين زيادة أعداد اللاجئين السوريين من جانب، وتصاعد العمليات الإرهابية في أوروبا.
 
 كما أن الأحزاب اليمينية فى ألمانيا أثارت ذلك الملف كورقة مناورة بحملتها الانتخابية ضد ميركل مع تصاعد سلسلة الهجمات التي شهدتها ألمانيا أخيرا، بالتوازى مع القلق بشأن سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين، الأمر الذي زادت خطورته مع اعتداءات بافاريا أخيرا، والتي تورط فيها طالبو لجوء، وأعلن تنظيم "داعش" مسئوليته عنها، حيث تسبب ذلك بتصاعد الانتقادات لهذه السياسة المُقررة من جانب أنجيلا ميركل.
 
 أيضا، دفعت موجات اللجوء والهجرة بعض البلدان الأوروبية إلى الدخول في مشاحنات سياسية بين الحكومة والمعارضة، خاصة بعد الصعود اللافت للأحزاب اليمينية المتطرفة ذات النظريات القومية الشعبوية في عدد من البلدان الأوروبية ومنها حزب البديل من أجل ألمانيا، والحزب القومى الديمقراطى، حيث واجهت المستشارة ألمانية أنجيلا ميركل مطالب متزايدة من كل من الحزب المسيحي الديمقراطي، والحزب المسيحي الاجتماعي بأهمية تعديل سياستها الحالية تجاه اللاجئين، وذلك فى ظل ما تواجهه الحكومة الألمانية من ضغوط ومطالبات بإلغاء حق اللاجئين السوريين في جمع الشمل . 
 
ولم تتوقف التأثيرات السلبية عن ذلك الحد، بل باتت تدفقات اللاجئين تلعب دوراً كبيرا  في زيادة معدلات الاحتقانات المجتمعية بين اللاجئين الوافدين من جانب، والسكان الأصليين من جانب آخر، وهو ما مثل أحد أبرز عوامل تهديد حالة "السلم المجتمعي"، ومن ثم حالة الاستقرار السياسي بشكل عام، خاصة في حالة ألمانيا، التى سجلت وزارة داخليتها ما لا يقل عن 3500 حالة اعتداء على لاجئين، أو مراكز إيوائهم خلال عام 2016. 
 
توافقات ثنائية : 
في سياق تصاعد قضية اللجوء والهجرة، تجلت الرؤية المصرية في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي أكد خلال الكلمة التي ألقاها في قمة اللاجئين بالأمم المتحدة في سبتمبر 2016، أنه: "انطلاقاً من التزام مصر الدائم بمسئولياتها منذ تفجر قضية اللجوء، فإنها تتحمل أعباء استضافة أعداد ضخمة من اللاجئين والمهاجرين من مختلف الجنسيات، بلغ عددهم ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ ما بين مسجلين وغير مسجلين، ويتمتع العديد منهم بمعاملة متساوية للمواطنين المصريين في خدمات التعليم، والصحة، والسكن، والاستفادة من منظومة الدعم السلعي، أسوة بالمواطنين، برغم العبء الكبير على الموازنة العامة للدولة".  
 
وبدا ذلك كرسالة مصرية للخارج، مفادها التحذير من ظاهرة التمييز العنصري التي يتعرض لها المهاجرون، التي تتمثل في ممارسات سلبية وعنيفة تتخذها بعض الحكومات، فضلا عن الدعوة إلى تشجيع الحوار بين مختلف الدول بملف اللهجرة غير الشرعية، وتشارك المسئوليات، وتوفير حياة كريمة للاجئين، ومعالجة الأسباب الرئيسية التي تدفع للنزوح واللجوء.
 
 ومن ثم، جاء التوافق ما بين الرؤى المصرية والألمانية، وانعكس ذلك على توقيع "ورقة للتعاون الثنائي" فى أغسطس 2017 في مجال الهجرة غير الشرعية، مع التركيز على البعد التنموي، ودعم الشباب بما يتوافق واستراتيجية مصر التنموية 2030، وما سبقها من سياسات التطويق لظاهرة الهجرة غير الشرعية، إذ اتخذت الحكومة المصرية عدة إجراءات تمثلت في تقديم عدة مبادرات تهدف لتقليل معدلات الفقر، من خلال خلق فرص عمل، وتمويل للمشروعات الصغيرة، من أبرزها "مبادرة مشروعك"، التي تقوم بتوفير قروض بشروط ميسرة لخلق فرص عمل للشباب عبر دعمهم مادياً، بالإضافة إلى "مبادرة اشتغل"، بالتعاون بين الحكومة المصرية والجمعية المصرية لشباب الأعمال، وبرنامج " كرامة وتكافل"، والموجهة بشكل أساسي للأسر الأكثر فقراً في القري والنجوع المصرية، بهدف تخفيف النزعة نحو الهجرة غير الشرعية.
 
في إطار ما سبق، يمكن القول إنه مع اقتراب موعد الانتخابات العامة الألمانية، تطفو على السطح ورقة اللاجئين والهجرة، كمناورة انتخابية للأحزاب القومية اليمينية، وفى مقدمتها حزب (البديل من أجل ألمانيا). إلا أن تلاقى الرؤية المصرية مع سياسات "الباب المفتوح" أوجد مساحة مشتركة للمستشارة ميركل لاستعادة شعبيتها في الشارع الألمانى، وهو ما ظهر بوضوح في ارتفاع أسهم ميركل، عقب المناظرة التليفزيونية، مع خصمها من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مارتن شولتز، يوم الأحد 3 سبتمبر 2017، فضلا عن التمسك باستمرار تعزيزها للحق الإنسانى بسياسات الباب المفتوح، ولكن بما لا يخل بالتوازنات السياسية، والأمنية، والديموغرافية الألمانية. 
 
طباعة

تعريف الكاتب