تحليلات - مصر

الفرص المحتملة من زيارة الرئيس السيسي للصين

.
طباعة
يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي الصين في الفترة من 3 إلى 5 سبتمبر، تلبيةً للدعوة التي وجهها له الرئيس الصيني شي جين بينج، للمشاركة في اجتماعات قمة البريكس، التي تستضيفها مدينة "شيامن" الصينية في هذه الفترة. وتأتي القمة هذه المرة تحت عنوان "شراكة أقوى لمستقبل أكثر اشراقاً."
 
ووفقاً لخطاب الرئيس الصيني لرؤساء دول المجموعة في يناير 2017، فإن هذه القمة تسعى لتحقيق تقدم ملموس في عدة مجالات، هي: تعميق التعاون بين دول المجموعة لتحقيق تنمية مشتركة عن طريق تعزيز الشراكة الاقتصادية، وتشجيع التعاون الدولي في مجال التنمية، وتعزيز الحوكمة العالمية لمواجهة التحديات بشكل مشترك، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين، وتعزيز الاقتصادي العالمي المفتوح، واتخاذ خطوات لتنفيذ خطة التبادل بين الشعوب (ما يُطلق عليه أيضاً people-to-people exchange).  وتهدف القمة أيضا، وفقا لما أكده الرئيس الصيني، إلى تعزيز التعاون بين دول البريكس في المجالات الثقافية والتعليمية والرياضية، وإجراء تحسينات مؤسسية، والدخول في شراكات أوسع وذلك من خلال تحسين آليات المؤسسات لتوفير ضمانات للتعاون بين هذه الدول في مختلف المجالات.
 
- مساع مصرية:
تتمتع مصر بعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع دول البريكس، وقد كانت هناك مفاوضات ومساع رسمية سابقة بين مصر وهذه الدول لانضمامها للمجموعة، لكن لم تكن الجهود المصرية آنذاك كافية لقبول طلب مصر. ويرى كثيرون أن مصر الآن تمر بظروف مختلفة تتيح لها فرصة أكبر للانضمام.
 
وتسعى مصر في الوقت الراهن للانضمام لهذه المجموعة المكونة من خمس دول فقط لعدة أسباب، هي أن هذه الدول تمثل قوة اقتصادية كبيرة، فهي تشكل نحو ربع مساحة اليابسة (26.46%)، وعدد سكانها مجتمعة يمثل 42.58% من سكان العالم، وهو ما يجعل منها أكبر أسواق العالم.
كما أنها تتمتع بنسبة 13.24% من القوة التصويتية في البنك الدولي، وتبلغ حصتها فيه 14.91% وفقاً لتقديرات صندوف النقد الدولي نفسه.  وهذه المجموعة أيضا أسهمت بنسبة 22.53% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2015 وبنسبة 50% من النمو الاقتصادي العالمي خلال الأعوام العشرة الأخيرة. 
 
كما أن هذه الدول استطاعت، خلال السنوات القليلة الماضية، أن تصنع لنفسها مكانة، وثِقلا شديدا داخل المجتمع الدولي، فهي من أسرع دول العالم نمواً حالياً، وأقلها تأثراً بالأزمة المالية، ومن المتوقع لاقتصادات هذه الدول أن تنافس اقتصادات أغنى دول العالم حالياً عام بحلول عام 2050.
 
وعلى المستوى السياسي، هناك سمة مشتركة بين هذه الدول، هي رفضها للهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، وهو ما تسبب في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات يعاني الكثير للخروج منها حتى الآن. وتتوافق هذه الرؤية إلى حد كبير مع السياسة الخارجية المصرية بعد 30 يونيو، وتتمثل في السعى للخروج من دائرة السياسة الخارجية الضيقة التي تحدد فيها الدول النامية سياستها الخارجية، وفقاً لمصالح الدول العظمى الغربية. فالسياسة الخارجية المصرية تشهد الآن تغيرات كبيرة تهدف إلى تنويع الدوائر الخارجية، وعدم الخضوع للسياسات الغربية.
 
كما أن دخول مصر في تكتلات اقتصادية دولية، والتزامات تعاقدية للتعاون الدولي، يتيح لها آفاقاً واسعة للتعاون مع دول ذات خبرات، وإمكانيات مختلفة، بل ويسهم في دعم عملية الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها مصر للخروج من أزمتها الاقتصادية. 
 
هذه الاتفاقيات يترتب عليها التزامات دولية للإصلاح، ليس من السهل التنصل منها، على عكس الالتزامات الداخلية التى يمكن أحياناً تجاهلها أو تأجيلها. ومن ثم، فإن دخول مصر فى شراكات دولية جديدة، مثل تجمع البريكس، سوف يجدد ويدعم الالتزام بخطط الإصلاح فى البلاد، ويساعد مصر من الاستفادة من خبرات هذه الدول.   
 
وتأتي مبادرة إنشاء بنك التنمية المشترك في شينجهاي ضمن أهم مبادرات التجمع، حيث تم الاتفاق على أن يقوم هذا البنك على أسس مصرفية سليمة لتعزيز التعاون بين دول المجموعة، ويكون دوره مكملاً لمجهودات المؤسسات المالية متعددة الأطراف من أجل تحقيق التنمية العالمية.
 
 وقد تم الاتفاق على أن يبلغ رأس المال الأولي لبنك التنمية 100 مليار دولار تستخدم لتمويل مشاريع التنمية فى الدول الأعضاء. وبالتالي، فإن انضمام مصر لمجموعة البريكس سيتيح لها فرصة الاستفادة من تلك المبادرات لتمويل العديد من المشروعات التنموية الضخمة التي تتبناها حالياً لتحسين الوضع الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة للشباب.
 
وفي المقابل، يمثل دخول مصر في المجموعة فائدة كبيرة لهذه الدول، حيث تتمتع مصر بعلاقات قوية وغير مسبوقة مع الدول الثلاث الكبرى بالبريكس، روسيا، والصين، والهند. كما أن هذه الدول تدرك المكانة الاستراتيجية المهمة لمصر فى الشرق الأوسط، والعالم العربى، وشمال إفريقيا، نظراً لدورها المهم والمؤثر في العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
 
 كما تمتلك مصر إمكانيات اقتصادية هائلة، فقد نجحت العام الماضي في أن تنتزع من جنوب إفريقيا لقب ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا بعد نيجيريا. وقد أشارات الدراسات الحديثة لصندوق النقد الدولي إلى أن معدل النمو الاقتصادي لمصر سوف يفوق معدل النمو بجنوب إفريقيا مستقبلاً. فمن المتوقع بحلول عام 2022 أن يصبح حجم الناتج الاقتصاد الكلى بمصر 416 مليار دولار، فى حين سيبلغ 380 مليار دولار لجنوب إفريقيا، وهو ما يعكس أهمية انضمام مصر لمجموعة البريكس لتعزيز الثقل الاقتصادي للمجموعة مستقبلاً. يضاف إلى ذلك أن هناك دولا أخرى بالبريكس، مثل البرازيل وروسيا، تعانى نموا اقتصاديا سلبيا، ومن ثم قد تكون هناك رغبة منها فى ضم اقتصادات ناشئة جديدة مثل مصر لهذا التجمع.
 
- فرص محتملة:
بالنسبة لتطلعات مصر في ظل مشاركتها في قمة العام الحالي، فمن المتوقع أن تركز مصر على عدد من القضايا المهمة، والتي من بينها تفعيل التعاون بين دول الجنوب، خاصة التعاون بين دول مجموعة البريكس والاقتصادات الناشئة الأخرى، ومن بينها مصر، خاصة في مجالات الاستثمار والبنية التحتية، وكذلك تدعيم التعاون بين مصر كممثل للدول العربية في المؤتمر و مجموعة البريكس، ومن بينها الصين.
 
وتتيح مشاركة مصر في هذه القمة فرصة لاطلاعها على تجارب الدول المشاركة التي تتمتع باقتصادات واعدة، حتى تستفيد من إنجازات هذه الدول في هذه المرحلة الحرجة التي يشهدها الاقتصاد المصري .
 
كما أنه من المنتظر أن يلقي الرئيس السيسي كلمة مهمة خلال جلسة الحوار للتعرف على الرؤية المصرية والسياسات الاقتصادية التي تتبناها مصر، وجهدها لجذب الاستثمار الأجنبي والتوسع في التعاون الخارجي. ومن المقرر أيضاً أن يلقي الرئيس السيسي كلمة أخري خلال ملتقى التجارة والصناعة لدول البريكس، والذي يشارك فيه عدد كبير من رجال الأعمال من كل الدول المشاركة، وهو ما يمثل فرصة كبيرة لمصر لجذب الاستثمارات للمشاريع القومية، وتأكيد أن مصر تسير بخطى واضحة لإصلاح المناخ الاقتصادي، وتحقيق التنمية الاقتصادية.
 
كما أنه من المقرر أن تعقد جلسة مباحثات بين الرئيس السيسي، ونظيره الصيني شي جين بينج، على هامش قمة البريكس، لمناقشة التعاون الثنائي بين البلدين، والتعرف علي الرؤية المصرية حول أهم القضايا الإقليمية، فضلاً عن توقيع عدد من الاتفاقيات التي يجري التشاور بشأنها في المجالات المختلفة.
 
في النهاية، يمكن القول إن رغبة القيادة السياسية الحالية في مصر فى الانضمام لهذا التكتل الاقتصادى الواعد أصبحت منطقية، خاصةً مع سعى مصر لفتح أسواق جديدة أمام صادراتها. ومن المتوقع أن تعود هذه الخطوة على مصر بمكاسب كبيرة، فيكفي أن أكبر الأسواق الواعدة في العالم سوف تفتح أبوابها أمام مصر للتصدير، كما أن استثمارات هذه الدول التي لديها فوائض سوف تزيد في مصر في حال الانضمام.
 
 
 
 
 
طباعة

تعريف الكاتب

مصطفى رفاعي

مصطفى رفاعي

مصطفى رفاعي