لم يعد ملف التسليح (تجهيزات القتال كما ونوعا) خافيا على أجهزة الاستخبارات الدولية، ولا حتى أجهزة استخبارات إقليمية. يتبدى هذا من واقع النشاط المحموم لتبادل المعلومات، وهو أمر زادت وتيرته بوضوح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تحكمه فى الوقت نفسه اتفاقيات مشتركة (ثنائية، ومتعددة) إلى جانب تعاون "غير رسمي"، يرتبط بمصالح وتقاطعات، بل ومؤامرات تستهدف الخصوم المشتركين للدول المتعاونة فى هذا الشأن.
لذا، أسهمت المتغيرات الإقليمية والدولية، والمخاطر، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة للأمن القومي للدول المستهدفة، بدور واضح، خلال السنوات الأخيرة، في الإقبال الكبير على إتمام صفقات وأنظمة تسليح متقدمة، ساعدت جميعها على زيادة الإنفاق العسكري، وسط تنافس بين قوى المصالح الدولية على توسيع مناطق النفوذ الجيوسياسية، وإعادة تشكيل هيكل النظام الدولي.
انعكست هذه الملابسات، أيضا، على زيادة مداخيل الشركات العالمية العاملة فى مجال صناعات التسليح (أكثر من 1200 شركة، تمثل نحو 55 دولة حول العالم) تستأثر شركات محدودة منها بالنسبة الكبرى من الأرباح، في ظل واقع يؤكد سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا على نحو 75% من حجم المبيعات الدولية من السلاح.
المفارقة المثيرة تشير إلى أن لائحة الدول الخمس الأولى المستوردة للسلاح فى العالم تتضمن 3 دول عربية (السعودية، و الإمارات، والجزائر) مضافًا إليها الهند (المستورد الأول عالميًا)، والصين (تحتل الترتيب الرابع). ووفق إجمالي تعاقدات المستوردين، فإن تريليونا و500 مليار دولار تم إنفاقها (بحسب إحصاءات تقريبية) خلال العامين الماضى والحالي على أدوات القتل والردع.
يستطيع المراقب لصفقات وحركة تجارة الأسلحة فى منطقة الشرق الأوسط أن يتأكد له بسهولة أن الأنظمة المتطورة للدفاعات الجوية، والمقاتلات الجوية متعددة المهام، ومروحيات الدعم والإسناد (وأخرى قتالية، ومتعددة المهام)، فضلا عن القطع البحرية النوعية (فرقاطات، وحاملات مروحيات، وغواصات هجومية) تحظى بنصيب الأسد فى الصفقات التى عقدتها دول عربية، وتسلمت معظمها بالفعل.
بدورها، تتخصص جهات وكيانات (رسمية، وغير رسمية) فى رصد حجم ونوع التسليح، عبر متابعة مستمرة للصفقات بين الدول، والشحنات التى تذهب لجماعات وميليشيات تعمل خارج الإطار التقليدي، حيث تنتعش هذه التجارة على زيادة مساحات الصراعات والدم. وهنا، أنا لا أتحدث عن تقارير مجهولة المصدر في رصد حركة التسليح في العالم؛ لكن أعنى جهات موثوقة (يتصدرها، بالطبع، قواعد بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام/ سيبري) توثق سنويا الصفقات العسكرية، وعمليات البيع والشراء من واقع بيانات رسمية.
قد يكون معهد "سيبري" مهموما بتقديم البيانات، والتحليل، والتوصيات المتعلقة بهذا الملف للسياسيين والباحثين والرأي العام المهتم. لكن تقرير "الميزان العسكري"، الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن (IISS)، يعد المرجع الأهم للحكومة البريطانية (لاسيما وزارة الخارجية) فى وضع تقديراتها، وتحديد سياساتها فيما يتعلق بشئون الأمن، والدفاع، والتسلّح، وموازين القوى العالمية.
غير أن التقديرات والمعلومات، الصادرة عن جهات ومراكز متخصصة في مجال رصد صفقات التسليح، لا توصف بالشمولية، كون هذه السوق الرائجة على امتداد الخريطة العالمية من أقصاها إلى أقصاها لا يظهر منها سوى ما تريد الدول المهيمنة عليها من تفاصيل، قد تكون سياسية– تسويقية بالأساس، خاصة ما تطرحه مجلة "جلوبال فاير باور" الأمريكية، (المتخصصة في الشئون العسكرية وتصنيف الجيوش في العالم) من تقارير توصف فى الغالب (رغم شهرتها، والترويج لها) بأنها غير موضوعية.
عودا على بدء، فإن هذه الجهات المتخصصة (على تنوعها، وشهرتها، وخبرائها، ومتخصصيها...) لم تتمكن من رصد السلاح السرى داخل القوات المسلحة المصرية، لا الآن، ولا خلال عقود سابقة، خاض خلالها الجيش (على الأقل خلال الـ80 عاما الأخيرة) حروبا متعددة (داخل وخارج الحدود)، بداية من حرب فلسطين، وحتى المواجهات غير التقليدية التى تقوم بها القوات خلال السنوات الأخيرة ضد الإرهاب (جماعات، وميليشيات).
ظهر دور السلاح المذكور بوضوح خلال حرب 1956، ومعارك الاستنزاف، ولاحقا حرب الكرامة ورد الاعتبار (أكتوبر 1973)، فضلا عن المشاركة القوية والمؤثرة للقوات المصرية في معركة تحرير الكويت. ولا نشير هنا للمستوى التدريبي والتأهيلي غير النمطي للقوات المصرية فى التعامل مع صفقات السلاح الجديدة، ولكن أشير هنا إلى سلاح الإرادة (التصميم على الإنجاز، وضع الهدف واستيعابه، اتخاذ القرارات السليمة رغم أى عقبات)، الأمر الذى يغذى بدوره الروح المعنوية (القدرة على مجابهة أشد الحرب النفسية، وأكثرها ضراوة)، ويصب أيضا في العقيدة القتالية (المدعومة بعدالة القضية). تظهر أهمية هذا السلاح المعنوي، العصى على الرصد والتقييم، من خلال المعايشة والقرب من المقاتلين. وقد ذهبت كثيرا إلى سيناء، ومناطق حدودية، ضمن مهام مهنية للوقوف على الدور الذى تقوم به القوات المسلحة فى تطهير جيوب الإرهاب.
التقيت، خلال تلك المرات، جنودًا وضباطًا من كل الرتب (في جيوش، ومناطق عسكرية، وفي فرق، وألوية، وكتائب، وسرايا.. في كمائن ثابتة، ومتحركة). هناك حالة مشتركة تستخلصها وسط العمليات الميدانية، إنها الإرادة والروح المعنوية المرتفعة، التى تجعل الكثير من المقاتلين يرفضون نزول الإجازات لقضاء واجبات اجتماعية، أو أسرية، ويصرون على بقائهم من أجل استكمال مهامهم القتالية.
تسمع من زملاء الشهداء والجرحى عن بطولات وتضحيات، وعن إصرار المصابين على سرعة العلاج من أجل العودة للميدان. يتأكد للجميع أن قوات إنفاذ القانون لم يعد لديها سوى هدف واحد ووحيد، يتمثل في وقف الخطر في مهده، قبل أن يهدد عموم الشعب. أحد الضباط سألته زوجته (بحسن نية): أيهما أقرب لك: أولادك، أم جنودك؟، فقال لها دون تردد: "جنودي، لأننى مسئول عنهم. أما أولادي، فهم فى رعايتك".
آخر سألته عن آخر مرة نزل فيها إجازة، أجابني: "أمضيت منذ فترة إجازة طويلة جدًا، يومين، قضيت فيهما كل الواجبات والمهام المطلوبة، وعدت على الفور لوحدتى ومهامى وجنودي". وثالث يقسم أنه يُحرج أن ينزل إجازة، بينما زملاؤه يخوضون مهامهم القتالية ضد العناصر الإرهابية والإجرامية.
إذن، نحن أمام قوة إرادة ترتبط بقوة عزيمة، وضبط للنفس، تدفع عناصر المؤسسة العسكرية المصرية للعمل والاجتهاد، وتحويل المستحيل إلى فرص متاحة. هناك إيمان راسخ من الجميع داخل المؤسسة بأن الشخص عديم الإرادة مصيره المحتوم سيكون الفشل، ومن ثم الانهيار.
لذا، تعزز المؤسسة حالة الإرادة (مجموعة وظائف متزامنة، وشروط ملائمة لتحقيق الهدف المنشود) للمنتمين لصفوفها، وهو أمر يلقى باللائمة على وزارات حكومية أخرى ظلت لسنوات مرفوعة مؤقتا من الخدمة، ومن ثم تمددت المشكلات، وصارت أزمات تستحق العمل بالأسلوب نفسه.
فى مناطق عمل قواتنا بالمناطق الحدودية، تسمع من الأهالي: "مقاتلونا أبطال، لديهم إرادة وروح معنوية، وعقيدة قتالية قوية، مستعدون للتضحية بأرواحهم من أجل وطنهم، وشعبهم". تسمع من القيادات: "عند عرض أى مهمة قتالية، يتبارى الجميع للخروج فيها، هم لا يعرفون المستحيل، جاهزون دائمًا وأبدًا لتنفيذ أى مهام، وفى أى أجواء".
الروح المعنوية لا تأتى من فراغ، فليس سرا أن القائد العام للقوات المسلحة، الفريق صدقى صبحى، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق محمود حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، يتواصلان مع جميع الجبهات على مدى الساعة.
الجميع على اقتناع تام، وفق ما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، فى أكثر من مرة، بأن مصر تحارب، وستنتصر بإذن الله، لأنها صاحبة حق فى الدفاع عن شعبها، وأرضها، ومقدراتها، وحقها في الحياة.