يطرح إعلان إسرائيل عن مشاركتها في "قمة توجو"، المحتمل عقدها في الفترة ما بين 23 و 26 أكتوبر المقبل، والتي تحمل عنوان "الأمن والتنمية"، عدة تساؤلات، هي: لماذا تسعى إسرائيل إلى حضور تلك القمة؟ وما هي أهدافها غير المعلنة؟ وكيف يؤثر حضورها فى حدود المشاركة الإفريقية فيها؟
قد تكون رغبة إسرائيل وإصرارها على حضورها تلك القمة أن تجعل من وجودها أمرا واقعيا، حيث إن المحاولات المتكررة من جانب تل أبيب لاختراق هذه التجمعات الإفريقية، في الفترة الأخيرة، تعدُ مؤشرا على سعيها للتمدد في مساحات جديدة من القارة الإفريقية، لتحزيم أمنها القومي، وتهديد دول مؤثرة في القارة، مثل مصر.
مؤشرات مهمة:
لقد سبق الإعلان عن توقيت "قمة توجو" تحركات إسرائيلية في القارة الإفريقية انطلقت من الغرب، وتُعد مؤشرا على أطماعها في مناطق جديدة، يمكن رصد أهما في:
زيارات إسرائيلية لدول جديدة، حيث زار وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيجدور ليبرمان، في يونيو 2014، كلا من رواندا، وساحل العاج، وغانا، وإثيوبيا، وكينيا. وكان الهدف من تلك الزيارة هو محاولة كسب دعمها لمقترح تل أبيب في الحصول على صفة "مراقب" بالاتحاد الإفريقي. وقد كان من أهم نتائجها حضور وفد مشكل من سياسيين ودبلوماسيين اجتماعات قمة الاتحاد الإفريقي، التي أقيمت في مالابو (غينيا الاستوائية). يذكر أنه تم طرد الوفد الإسرائيلي من القمة بعد احتجاجات من دول عربية.
اتفاق مسبق، فقد تم الاتفاق، فى أثناء زيارة رئيس توجو فور غناسينغبي الثالثة لـ"إسرائيل"، في الفترة من 7 إلى 11 من أغسطس 2016، على عقد قمة "إفريقيا - إسرائيل" في لومي لتركز على موضوع "الأمن والتنمية" بهدف تخليق ملفات تعاونية بين "إسرائيل" وإفريقيا.
تحركات مكثفة: ففي صيف 2016، كثفت إسرائيل من وجودها في منطقة شرق إفريقيا، ومنطقة القرن الإفريقي، حيث زار نتنياهو أربع دول في هاتين المنطقتين، هى: أوغندا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا. وبعدها، تمت إعادة توجيه البوصلة الإسرائيلية نحو الغرب، والمشاركة في القمة الـ 51 للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس"، وما لحق بذلك من الترتيبات لقمة توجو القادمة حول الأمن والتنمية.
- دوافع إسرائيلية:
عدة أهداف تسعى إسرائيل إلى تحقيقها من كل تحركاتها التي انطلقت من الغرب الإفريقي، وبدأت من الإيكواس وصولا للإعلان في المشاركة بقمة توجو حول الأمن والتنمية في أكتوبر 2017، ويمكن حصرها في:
1- تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، وربطها بالإرهاب في غرب إفريقيا: لقد أدركت إسرائيل تخوف الدول الإفريقية من الإرهاب، وتصاعد ملف الإرهاب على الأجندة الإفريقية، وسعيها لإنشاء مركز مكافحة الإرهاب الصادر بتوصيات تجمع الساحل والصحراء 2016. لذلك، قد تستغل إسرائيل الحالة الإرهابية المتصاعدة في الغرب الإفريقي في تشويه " المقاومة" لدى شعوب تلك المنطقة التي تتعاطف كثيرا مع القضية الفلسطينية.
2- بناء تكتلات إقليمية ودولية إفريقية: تستهدف التحركات الإسرائيلية ضمان تأييد ودعم دول غرب إفريقيا لتوجهاتها في المحافل الدولية، انعكاسا لما قامت به السنغال من تقديمها لمشروع قانون يجرم الاستيطان، صدق عليه مجلس الأمن الدولي، مما دفع تل أبيب إلى إعادة النظر في علاقاتها الإفريقية.
3- تطويق النفوذ الإيرانى: تهدف "إسرائيل" بتغلغلها فى الغرب الإفريقي إلى محاصرة النفوذ الإيراني. فقد قامت إيران بتحويل عدد كبير من المسلمين في منطقة الساحل وغرب القارة من المذهب السني المالكي إلى المذهب الشيعي الإثني عشري.
4- تقويض الحركات المالية والاقتصادية لحزب الله في إفريقيا: أصبح الغرب الإفريقي يمثل أحد الملفات الأمنية المخيفة لإسرائيل بسبب تصاعد الأنشطة الاقتصادية والمالية للجالية اللبنانية المتهمة بدعم حزب الله ماليا، وهو ما دفع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ودوائر النفوذ الاقتصادي إلى تكثيف اهتمامها ببلدان هذه المنطقة، مثل ليبيريا وساحل العاج، وما صاحبه من إنشاء إسرائيل لعدة مؤسسات استثمارية لمنافسة اللبنانيين في المجالات الاقتصادية والمالية، عبر تشجيع حركة استثمار رجال الأعمال الإسرائيليين في ساحل العاج، فضلا عن إنشاء شركات للحراسة والأمن لجمع قاعدة بيانات عن عناصر حزب الله في البلد، وخريطة انتشارهم، ومستوى تأثيرهم الاقتصادي.
5- تنشيط الدبلوماسية التجارية: يعد تعظيم التعاون الاقتصادي مع دول إفريقيا أحد أهم دوافع التقارب الإسرائيلي- الإفريقي عن طريق إنشاء صناديق إسرائيلية للاستثمار في القارة، فضلاً عن تطوير آليات للتعاون بين المؤسسات المالية الدولية والحكومة الإسرائيلية لتمويل عدد من المشروعات في إفريقيا، علاوة على فتح ملحقيات تجارية جديدة بما يحقق زيادة حجم التصدير الإسرائيلي في إفريقيا.
يمكن القول مما سبق: إن التحركات الإسرائيلية لتطويق الأمن العربي، والتي ظهرت في خريطة الانتشار الإسرائيلي في الغرب الإفريقي، بالإضافة لدوريها الخفي والمعلن في دول حوض النيل، عبر الورقة الاقتصادية والتنموية، وهو ما تمت ترجمته من خلال "الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي في مجال التنمية"، المعروفة اختصارا باسم "الماشاف"، وتغلغلها بدول: كينيا، وإثيوبيا، ورواندا، وأوغندا، وجنوب السودان، والسنغال وغانا- تقابلها تحركات مصرية مكثفة أيضا، خلال السنوات الثلاث الأخيرة في القارة الإفريقية، وهو ما يعني أن مصر مدركة تماما لمخاطر الدور الإسرائيلي في إفريقيا.