نقلاً عن الأهرام اليومي
13 يوليو 2015
تتعرض مصر الآن لمخاطر عظمى تستهدف كيان الدولة والمجتمع وتنذر بعواقب وخيمة إن لم تتم مواجهتها بصورة إستراتيجية وفعالة. فقد تصاعدت العمليات الإرهابية في سيناء عقب خلع الرئيس مرسي، وتواصلت عمليات الإرهاب والتخريب وإثارة القلاقل داخل مناطق مختلفة من ربوع مصر
وكان آخرها اغتيال النائب العام. ورغم أن قيادات الإخوان توعدت بتصعيد واستمرار الإرهاب عقب خلع مرسي، إلا أنه من الخطأ النظر إلى أعمال الإرهاب والتخريب التي تكثفت منذ ثورة 30 يونيو، باعتبارها ظاهرة ناتجة فقط عن خلع الإخوان وإبعادهم عن الحكم. ويتيح النظر إلى أوضاع المنطقة العربية ككل منذ أوائل 2011، تبين أن العديد من دول المنطقة تخوض حروبا من نوع جديد، تختلف عن الشكل التقليدي للحروب، وأن المنطقة بأسرها وقعت ضحية مخطط يستهدف زعزعة الاستقرار في دولها ومجتمعاتها، وتفكيك نظام ومؤسسات الدولة تمهيدا لتقويضها ثم تقسيمها في النهاية، وقلب موازين القوة في المنطقة.
ويختلف هذا المخطط من دولة لأخرى حسب خصوصية أوضاعها، لكنه يركز على نقاط وجوانب الضعف والدوائر الهشة في كل دولة حسب طبيعة تكوين المجتمع والدولة. من المهم تسليط بعض الضوء على النمط الجديد من الحروب التي تخوضها مصر وكذلك دول عديدة في المنطقة العربية عقب ثوراتها الجماهيرية، قبل بيان كيفية المواجهة الإستراتيجية لهذه الحروب.
حروب الجيل الرابع
ويسعى الجيل الرابع من الحروب الذي تخوضه مصر الآن (وقد أشار إليه رئيس الجمهورية في خطاب له) إلى تقويض أمن المجتمع وهزيمة إرادته وتفكيك مؤسسات الدولة من خلال وسائل تخريبية عديدة ومنها العمليات الإرهابية. ولا يستخدم هذا النوع من الحروب الجيوش والأسلحة النظامية بصورة كاملة أو مباشرة. وقد بدأت هذه الحروب باستخدام أساليب حرب العصابات في مواجهة الجيوش النظامية، مثلما حدث للقوات الأمريكية في فيتنام، أو لمواجهة قوات الاحتلال مثلما حدث من قبل جماعات وطنية في دول عديدة كانت تسعى للاستقلال. كما استخدمت هذه الأساليب أيضا لترويع وطرد وتهجير السكان الأصليين، مثلما فعلت العصابات اليهودية المسلحة في فلسطين في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي. ثم تطورت أساليب الجيل الرابع إلى استخدام حزمة متعددة الوسائل تتضمن أعمال التخريب والإرهاب واستهداف المنشآت والقوات العسكرية والشرطية والمرافق والبنية التحتية والمنظومة المعلوماتية وكذلك الحرب الاقتصادية وإشاعة الفوضى، وذلك لإنهاك مؤسسات الدولة وجعلها تبدو عاجزة وبث الإشاعات وزعزعة الروح المعنوية من خلال وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة باختلاف أنواعها. وتجد الجيوش والقوات النظامية والشرطية التقليدية مهما بلغ تسليحها وتدريبها صعوبة كبرى في مواجهة هذا النوع من الحروب، لأنها تحارب عدوا أغلبه غير ظاهر يعمل بنظام لامركزي ويعتمد جزئيا على مبادرات ذاتية متجددة الوسائل ولا يقوم علي ميدان محدد للمعارك ولا يتطلب لتحقيق أهدافه بالضرورة عتادا كثيفا وأسلحة تقليدية ثقيلة ويستخدم عنصر المفاجأة وكون أفراده لا يمكن تمييزهم بين جماهير المواطنين. ومن الصعوبة بمكان أن يتوقع التغلب على هذا العدو المنتشر والمتعدد الأوجه والانتصار في هذا النوع من الحروب بإستراتيجيات الأمن والحرب التقليدية وتكتيكاتها التي وقفت عند حدود الجيل الثالث الذي يعتمد في أفضل حالاته على المناورة والخداع والإبداع الإستراتيجي والسرعة وتغيير ساحة ومكان المعارك واستخدام تقنيات وأسلحة الحرب والقتال المتقدمة والمتطورة، لتحقيق انهيار العدو (وليس بالضرورة القضاء عليه)، لأنها في حالة الجيل الرابع تصبح غير ذات جدوى أمام عدو متخف ومنتشر ومتنوع العناصر وأفراده متغلغلون بين السكان ويصعب حصرهم وساحة معاركه تقع في قلب المجتمع ذاته، وحيث يتم استخدم تقنيات اتصال متقدمة متاحة للجميع وأدوات قتال وتخريب وإرهاب مصادر الحصول عليها واستخدامها ميسرة ومتاحة.
حروب الجيل الخامس
هناك أيضا الجيل الخامس من الحروب الذي يمثل مرحلة متقدمة من الجيل الرابع. لكن حروب الجيل الأخير تجد بيئة خصبة في حالة الدولة الرخوة المشبعة مؤسساتها بالفساد، والمجتمع الذي فقد تماسكه وحيويته نتيجة فشل التنمية وزيادة الفقر والبطالة وتعاظم فروق الثروة والدخل والتفاوت الصارخ في مستوى المعيشة وانهيار التعليم وانتشار إدمان المخدرات بين الشباب والعاطلين وتنامي التعصب والتشويه العقائدي والتطرف الديني أو الطائفي أو التعصب الجهوي، فضلا عن تآكل الطبقة المتوسطة وتراجع القيم الأخلاقية وتجريف اللحمة الثقافية التي تربط أفراد المجتمع. وخلافا للجيل الرابع الذي توجد له أهداف يتم تخطيطها من قبل جهة أو جهات مركزية (وبعضها تقوم به أو تدعمه مراكز استخبارات أجنبية) لكن تنفيذها متروك للعناصر الميدانية، فإن الجيل الخامس يعجل بتفكيك وانهيار كل من الدولة والمجتمع بفعل عوامل ضعف وتآكل ذاتية كانت متغلغلة في كليهما أصلا وتعمل كالخلايا السرطانية التي تنهك وتدمر مؤسسات الدولة والمجتمع وتفكك أواصر وثقافة المجتمع ذاته وتضعف القواسم المشتركة بين تجمعاته بما في ذلك نخبه الفكرية والسياسية. وبالتالي فإن دور العدو الخارجي في الجيل الخامس أن يعظم ويسرع من عملية التفكيك الموجودة أصلا من خلال إشعال فتن ونزاعات وإحداث استقطاب مجتمعي وسياسي حاد والدفع إلى حروب ونزاعات أهلية دينية وعرقية وطائفية وثقافية. وتتوجه وتضرب هذه الحروب على أكثر من جبهة وبوسائل حديثة لتحقيق مجموعة مركبة من الأهداف التي تستهدف إنهاك وشل وتعجيز قدرات الدولة والمجتمع في مجالات حيوية متعددة وبحيث تتم في نفس الوقت؛ بعضها سياسي واقتصادي ومؤسسي، وبعضها مادي وعسكري، وبعضها اجتماعي ونفسي ومعنوي. وهي بذلك تستخدم الكثير من أدوات ووسائل الجيل الرابع لكن بالتضافر مع أدوات ووسائل الجيل الخامس واستغلالا لأوضاع الانقسام والضعف والفجوات والتآكل في المؤسسات والمجتمع والقيم لتسريع الانهيار. ويمثل ما جرى في الصومال ويجري الآن في سوريا وفي ليبيا وفي العراق وفي اليمن نماذج معبرة عن حروب الجيلين الرابع والخامس.
عناصر المواجهة الإستراتيجية في الحالة المصرية
وتحتاج مصر وفي ضوء خصوصية أوضاعها إلى منظور استراتيجي شامل وممنهج ومبدع ومرن في نفس الوقت للتعامل مع أعمال الإرهاب ومواجهة الجيلين الرابع والخامس من الحروب التي تخوضها الآن.وتتمثل ركائز وعناصر هذا المنظورفي الآتي:(1) بلورة إستراتيجية شاملة متعددة الأبعاد والأدوات المستنة إلى دراسات متعمقة وإلى إبداع في التعامل الداخلي والخارجي مع مخاطر ومصادر الإرهاب وكذلك عمليات ومحاولات وعوامل إضعاف وتفكيك الدولة والمجتمع وإستراتيجيات وأساليب مواجهة هذه الحروب في الأمد القصير والمتوسط والطويل، بحيث تشتمل على عناصر وقائية ومانعة وكذلك على منظومة وأساليب ردع حاسمة وقوية؛ (2) أن توضع هذه الإستراتيجية وتصدر عن مجلس قومي (إعادة هيكلة وتشكيل مجلس الأمن القومي) يتبع رئيس الدولة ويضم عناصر مختارة من الحكومة كما يضم خبرات وتخصصات رفيعة ومتنوعة بعضها سياسي واجتماعي ونفسي واقتصادي ومعلوماتي وإعلامي واستراتيجي، وبعضها عسكري وأمني ومخابراتي، ولا يشترط بالضرورة أن تتشكل أغلبية المجلس من العاملين في مؤسسات الدولة، فالمهم أن يملك أعضاؤه قدرات وخبرات إستراتيجية ذات أبعاد دولية، وأن تتوافر فيهم المصداقية والثقة لأن يشاركوا في مهام على هذه الدرجة من الخطورة؛ (3) أن ينبثق من الإستراتيجية خطط وبرامج عمل تنفيذية تتحدد فيها أدوار ومهام مؤسسات الدولة وقطاعات ومؤسسات المجتمع (سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة أو كانت فاعلة أو مستهدفة)، ويقع في صدارة هذه المؤسسات أجهزة تشكيل الوعي والفكر والقيم مثل الأزهر بمؤسساته ومعاهده والأوقاف والكنيسة ومؤسسات التعليم بمستوياتها وأنواعها ومراكز الفكر والثقافة وأجهزة الإعلام والصحافة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني مثل النقابات والجمعيات الأهلية والمهنية، وكذلك المؤسسات التي تتعامل جماهيريا وتلك التي تمثل أجهزة إستراتيجية أو حيوية بحكم تأثيرها أو أدوارها؛ (4) الاعتماد على التعبئة العامة الشاملة بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ خاصة في المدن الرئيسية والحدودية وحسب الحاجة وبصورة متقطعة (باعتبار أن المجتمع والدولة في حالة حرب)، وتضافر جهود مؤسسات الدولة شاملة كل قطاعاتها، بما في ذلك تطهيرها وتنقيتها من عناصر النظام القديم (المباركي والإخواني وغيرها من العناصر المتطرفة والطابور الخامس) أو تحجيم أدوارها وتأثيرها؛ (5) اشتمال الإستراتيجية وبرامج العمل على إعادة بناء وتقوية منظومة الردع المؤسسي المتمثلة في القوانين والإجراءات الجنائية (وقد تم البدء في هذا مؤخرا) ومؤسسات العدالة وإنفاذ القانون (الشرطة والنيابة والقضاء) في مواجهة أعمال الإرهاب والتخريب وإثارة الفتن والفوضى وتعطيل عمل المرافق، من حيث القيام بها أو التحريض عليها أو تسهيلها أو التستر عليها، وكذلك إعادة بناء مكثف وحاسم لعدد من المؤسسات الحرجة التي ينبغي أن تلعب كرأس حربة في الجانب الفكري والقيمي من هذا العمل المنظومي، والتي طالتها عبر عقود طويلة عوامل ضعف وترهل وجمود وتخلف وتخريب لبوصلة أدوارها وعملها بحيث أصبحت جزءا من عناصر الدولة الهشة الرخوة والمخترقة المشبعة بالفساد، ومن هذه المؤسسات الأزهر والأوقاف والإعلام والتعليم العالي والثقافة، فهذه المؤسسات لا يمكن بأوضاعها ونظم عملها ومشكلاتها المتراكمة أن تقوم بأي حال بالأدوار الجديدة دونما إعادة بناء وهيكلة وتنقية لقياداتها وكوادرها الرئيسية؛ (6) تتطلب مواجهة الأعمال التي تستهدف تفكيك الدولة والمجتمع والتي تتضافر فيها القوي الخارجية المناوئة مع عوامل الضعف المؤسسي والمجتمعي وقوي التطرف الداخلية، أن تواجه باستراتيجية متعددة الأدوات تتناسب مع طبيعة وسائل وأسلحة الإرهاب والحروب الجديدة، فمن الخطأ تصور إمكانية نجاح المواجهة مع هذه الحروب بالاقتصار على الوسائل والجهود الأمنية وحدها رغم أهمية تطويرها ورفع كفاءتها وفاعليتها ودعمها بالتقنيات الحديثة خارج الأطر والأساليب التقليدية لتقوية منظومة الوقاية خاصة في مناطق الصراع المستهدفة مثل سيناء وغيرها من المناطق الحدودية وبالنسبة للشخصيات المستهدفة بالاغتيالات والمنشآت والمرافق المستهدفة بالتخريب، وينبغي أن تعتمد هذه الاستراتيجية على مزيج من وسائل الوقاية والمنع للعمليات الإرهابية، وحتى لا تقع مثلا بعض العناصر في المناطق المهمشة والفقيرة فريسة للتجنيد أو الانخراط في هذه الجماعات والشبكات المتطرفة (الجهادية والتكفيرية مثلا)، فضلا عن أهمية استخدام وسائل الاختراق لها والأساليب الاستخباراتية في التعامل معها تمهيدا لإجهاض مخططاتها وتفكيكها وكسر حلقاتها ومقوماتها الفكرية والقيادية والبشرية واللوجستية والتمويلية وتجفيف مصادر تسليحها وتشديد الرقابة على مصادر تصنيع المتفجرات التي تستخدمها؛ (7) ضرورة التصدي المكثف والسريع لعوامل الضعف التي طال إهمالها مثل الفساد وانهيار التعليم وإدمان المخدرات بين الشباب والعاطلين، فالحاجة ماسة إلى ابتداع حلول جذرية وحاسمة لها والبدء فيها على الفور ولو في نطاق محدود وعلى مراحل حتى وإن أتت بنتائجها في مدى أبعد، فمثل هذه البدايات تعطي رسالة أمل في جدية الإصلاح؛ (8) يحتاج الأمر أيضا إلى تعاون وتضافر جهود دولية وإقليمية بين مصر والدول التي تتهددها مخاطر الإرهاب والحروب الجديدة بحكم كون أغلبها تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، لإجهاض وتفكيك قوتها وإنهاء سيطرتها على المناطق التي استولت عليها، وحصارها وتجفيف منابع مواردها وتمويلها وتسليحها، وكذلك التعاون في مجال تبادل الخبرات والمعلومات وتنسيق السياسات وأساليب المواجهة؛ (9) سيتطلب الأمر أن تولى عناية استثنائية للبرامج السريعة والمتوسطة التي تستهدف سد الفجوة التي اتسعت لعقود بين مستوي حياة ومعيشة المناطق المعزولة والمحرومة من الخدمات مثل سيناء والمناطق الحدودية الأخرى في الغرب والجنوب والسعي الحثيث لتغيير طبيعتها الديموجرافية ب الاختراق من القوي المناوئة، والبدأ بحملة تكثيف الأنشطة التنموية فيها ومدها بالخدمات ونقل تجمعات بشرية من قلب الوادي إليها، يقترن بهذا ضرورة توسيع وتشديد الرقابة على المنافذ الحدودية لمنع التسلل وتهريب الأسلحة والأموال، وكذلك تنمية وعي وكسب ثقة ومشاركة ورقابة تجمعات المواطنين أنفسهم (كل المواطنين من خلال تنمية وعيهم والتعبئة العامة لهمتهم ودورهم ومسئوليتهم)، حيث يقع عليهم دور كبير في هذا النوع من الحروب؛ (10) أن تستهدف الجهود زيادة تماسك الجبهة الداخلية واستنهاض وحماية وعيها وفكرها وقناعاتها من القوي المناوئة والبدء بحملة شاملة ترقى إلى مستوى التعبئة العامة للإصلاح الفكري والديني والثقافي تستخدم فيها قيادات فكرية موهوبة ومؤثرة وتوظف في برامجها كل الأدوات والوسائل التابعة للدولة والقطاع الخاص (القنوات الفضائية والصحافة الخاصة مثلا) والمنظمات الأهلية، بما في ذلك أدوات التواصل الاجتماعي الحديثة، إضافة إلى مبادرات تعمل على تحقيق تماسك وتآزر النخب الفكرية والسياسية المناصرة للثورتين وإيقاف تشتتها وتفككها الحالى.
نمط ونوعية الحكومة المطلوبة للمواجهة
ويطرح ما سبق أسئلة عديدة حول ما إذا كانت هيكلية وأسلوب عمل الحكومة في كل قطاعاتها ومستوياتها ومؤسساتها مناسبة لظروف كون مصر تخوض فعلا هذه الحروب الشرسة، وحول كيفية التصدي لعوامل الضعف المؤسسية والسياسية وللفساد، وكيفية تسريع مبادرات الإصلاح السياسي والمؤسسي ووسائل وضبط مساره (لتلافي أخطاء الفترة السابقة) لضخ عناصر قوة وطاقة جديدة في منظومة العمل السياسي ومؤسسات الدولة كبداية لإخراجها من دائرة الترهل والرخاوة والتفكك والفساد الذي أصابها لعقود. ويشمل هذا أيضا وسائل إحداث صحوة وتجديد فكري وثقافي وإيجاد قواسم مشتركة بين النخب الفكرية والسياسية ربما من خلال استنهاض همتها ونزعتها الوطنية في مواجهة الأخطار الداهمة، التي تمثلها الحروب الراهنة التي تخوضها مصر. ويقع عبء كبير في المبادأة والدعم لمبادرات الإصلاح ومشروعات التصدي لهذه المخاطر على القيادة السياسية، يعاونها في ذلك المجلس القومي المشار إليه سلفا وكذلك النخب الفكرية المتخصصة لدعم بلورة الإستراتيجية والمخطط الشامل لمواجهة مخاطر وعمليات الحروب الجديدة، كما يعاون في التنفيذ والمتابعة والقيام بأدوار حيوية تلك النخب السياسية التي لم تتقوقع وتنغلق وتنكفئ بعد على مصالحها الحزبية أو رؤاها الضيقة التي لا تبصر ما يحيط بالوطن من مخاطر.
ولمواجهة التحديات السابق ذكرها من الواضح أننا في حاجة إلى حكومة حرب تعمل بروح عالية وكفريق متماسك بحيث تشكل وتختار قياداتها وكوادرها العليا بمعايير جديدة وتعمل بأهداف وإسنادات استراتيجية واضحة لتسريع وتيرة سد الثغرات ومعالجة جوانب الضعف وإعادة البناء والإصلاح وتحقيق وتسريع الإنجاز للوفاء باحتياجات الناس. ومطلوب من هذه الحكومة أن تعمل باعتبار أن مصر وأجهزة الدولة فيها تعمل بمنهج التعبئة العامة الشاملة لمواجهة تحديات الإرهاب والحروب المتعددة التي تخوضها الآن، وكذلك وفي نفس الوقت تسريع التنمية والنهوض بمستوي معيشة الناس خاصة الأكثر استحقاقا منهم، وأنه لا مكان فيها لفاسد أو كسول أو غير مكترث أو غير وطني. نحتاج إلى حكومة استثنائية في قدراتها كقيادات وكفريق متماسك وقوي وغير تقليدية في فهمها لمهمتها والتحديات التي تواجهها، حتى تستطيع أن تفجر طاقات وتشعل همة وحماس من يعملون فيها لكي تشعل بدورها همة قطاعات المجتمع ذاته ولتحافظ على تماسكه (وفاقد الشيء لا يعطيه). ومطلوب من هذه الحكومة أن تحقق انتصارات ونجاحات ملموسة في أصعدة استراتيجية تتناسب مع تطلعات ثورتين، وأن تلتقي مع تحديات الحروب والمخاطر التي تواجهها مصر، وأن تحقق النجاح في تحويل جوانب الضعف الراهنة إلى قوة بما يمكن من الانتصار المتواصل في معارك وجبهات هذه الحروب.