منذ انطلاق اجتماع أستانة الأول في ديسمبر/كانون الأول الماضي 2016، والذي كان أبرز أهدافه تخفيض حدة التوتر، قُتل 5 آلاف و381 مدنياً سوريّاً، بينهم 159 طفلاً و742 امرأة؛ جراء الحرب في سوريا، وفق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ما يعني أن خمسة اجتماعات متتالية خلال سبعة أشهر، أضافت للأزمة السورية مزيداً من التعقيدات التي يصعب التعامل معها في مثل تلك البيئات التفاوضية.
ففي خضم وقائع الميدان السورية المتفجرة هدف الاجتماع الأخير إلى مجموعة إجراءات تنفيذية، من بينها ترسيم حدود مناطق خفض التوتر، ونشر قوات مراقبة، وتعزيز وقف إطلاق النار، في أربع مناطق وفقاً للوثيقة الروسية، التي تشمل منطقة إدلب وشمالي حمص والغوطة الشرقية ومناطق جنوبي سوريا، والتي يضمنها كل من روسيا وإيران وتركيا. وهو أمر ضروري لكن الوصول إلى خواتيمه أمر مشكوك فيه، بالنظر إلى العديد من العقبات المتعلقة بالضامنين أنفسهم، وبالأطراف الدولية المشاركة أيضاً.
ثمة تباين واضح يصل إلى حد الخلاف بين كل من إيران وتركيا وروسيا حول بعض التفاصيل المطروحة، والتي يعززها ما يجري في الميدان، ما ينعكس على سلوك التعاطي مع مجريات ما هو مطروح من قضايا تنفيذية؛ فمثلاً ثمة مصلحة روسية- تركية في التقارب المستمر حول الرؤية العامة لحل الأزمة، الأمر الذي لا يروق لإيران، والتي رغم ذلك مضطرة لأن تساير أنقرة، رغم مواقفها المعلنة من النظام في سوريا، والذي يشكل رأس تحالفاتها، في المقابل ثمة تباين روسي سوري حول موقف موسكو من الأكراد في سوريا، الأمر الذي يروق لتركيا وتعتبره خطاً أحمر في ترتيب تحالفاتها في الأزمة السورية. علاوة على ذلك، شبكة التباينات والتوافقات التي تبدو في كثير من الأحيان غير مفهومة بين هذه الأطراف الضامنة مع الولايات المتحدة، كل ذلك يضع سياق لقاءات أستانة في طريق غير واضح المعالم، أفضله هدنات هشة قابلة للتفجير مع كل معطى صغير يظهر هنا أو هناك.
في أي حال، ورغم الكثير الذي تعلقه موسكو على تلك الاجتماعات، لا يمكن اعتبار ما يجري من طروح وتفاهمات سوى تقطيع للوقت في انتظار متغيرات كبرى تدفع بجميع الأطراف للتفكير ملياً عن حدود وشروط الحل المتوفرة، وهي بطبيعة الأمر ليست بكافية لتصل إلى ما تريده تحديداً كل من واشنطن وموسكو، اللاعبين المقررين في كل ما يجري. وما يعزز من ذلك، ما يتم الإعلان عنه في سياقات اجتماعات جنيف المتتالية، التي تعقب اجتماعات أستانة عادة، وهي نتائج متواضعة جداً.
إن ما أعلن عنه من ترسيم حدود مناطق خفض التوتر، ونشر قوات مراقبة، وتعزيز وقف إطلاق النار، أمر صعب التحقق في المدى المنظور، بالنظر للأجندة الميدانية المستعرة، والتي يُعلق كل طرف فيها تحقيق مكاسب لافتة تُحسّن من شروطه في التفاوض، ذلك في وقت يُسجَّل فيه المزيد من الاستعدادات العسكرية الأمريكية للدخول المباشر في الأزمة السورية، الأمر الذي سيواجه بطبيعة الحال من الأطراف الأخرى، والتي سينجم عنها فرط هذه المشاريع برمتها، وبالتالي تأكيد المؤكد من عدم قدرة بيئة أستانة التفاوضية في الوصول إلى أماكن محددة من وسائل وشروط حل الأزمة.
وعلى الرغم من معرفة الأطراف المعنية باستمرار اللقاءات، أن لا جدوى عملية منها، فقد أعلنت عن اللقاء القادم في النصف الثاني من الشهر المقبل، الأمر الذي يطرح سيلاً آخر من الأسئلة، أبرزها قدرة هذه الأطراف الضامنة على تحقيق الجزء البسيط مما أعلن عنه. الثابت في سياق الأزمة السورية، المزيد من الضحايا الأبرياء، ففي حسابات بسيطة ثمة خمس جولات من لقاءات أستانة كلفت خمسة آلاف ضحية، فهل يعني أن ثمة ألف ضحية ينتظرون دورهم حتى انعقاد اللقاء السادس؟ للأسف يبدو الأمر كذلك.
-----------------------
* نقلا عن دار الخليج، 9-7-2017.