تباينت ردود الأفعال الإقليمية والدولية تجاه مصر، منذ ثورة 30 يونيو 2013، ما بين مواقف تحاول الانتقاص من شرعية النظام، بعد سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين، أو داعمة للموقف المصرى. عكست تلك المواقف أهمية التطورات الداخلية لمصر، وتداعياتها الإقليمية، مما يؤكد استمرار الوضع الاقليمى لها كدولة محوريةPivotal State ، على الرغم من تصاعد أدوار القوى الإقليمية الأخرى فى المنطقة. وهنا، يقصد بالدولة المحورية تلك التى هى، بحكم الواقع، دولة مؤثرة في منطقة ما على النحو الذى يجعل من أى تطور داخلي له أهمية كبيرة، حيث تنتقل تداعياته إلى جيرانها الإقليميين بشكل مباشر.
تحديات ما بعد 30 يونيو:
استدعت ثورة 30 يونيو ردة فعل إقليمية ودولية، خاصة أن سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر كان مدخلا لانهيار مشروع الإسلام السياسي فى الإقليم الذى توافرت له الحواضن الإقليمية والدولية لتمكينه سياسياً. فقد أعلنت تركيا العداء للنظام السياسى فى مصر مع كل مناسبة، كما اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما موقفا متشددا فى أثناء المرحلة الانتقالية، وبعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيساً للجمهورية، حيث توقفت المناورات العسكرية الأمريكية مع مصر، وتم فرض قيود على برنامج المساعدات العسكرية، كما قرر الاتحاد الإفريقي آنذاك تعليق عضوية مصر.
بالإضافة لذلك، شهدت مصر عددا من التطورات السلبية المؤثرة بشكل أساسي فى علاقاتها الدولية، مثل، حادث تفجير الطائرة الروسية فى سيناء في عام 2015، وإسقاط الطائرة المصرية القادمة من فرنسا فى مايو 2016.
في مواجهة ذلك، تمكنت مصر من إدارة سياستها الخارجية فى دوائر المصلحة الوطنية الخاصة بها، على النحو الذى ارتكز على رؤية استراتيجية ترمى إلى تحقيق هدفين من خلال توظيفها لعلاقاتها الدولية، أولهما كسر الحصار الذى فرضه الغرب على مصر، عقب التخلص من حكم جماعة الإخوان. أما الهدف الآخر، فتمثل في إعادة بناء العلاقات الخارجية مع العالم على النحو الذى يخدم المصالح الاقتصادية للقاهرة.
من هنا، جاء التحرك المصرى فى مسارات متوازية تشمل فتح علاقات جديدة بقوى أخرى خارج دوائر التحرك التقليدية لمصر، وعدم القطيعة مع الدول الأوروبية والأمريكية. ويمكن طرح هذه المسارات على النحو الآتي:
أولا: سعت القاهرة إلى المشاركة فى قمم الاتحاد الافريقي، والبرلمان الإفريقى، فى إشارة الى استعادة زخم الدور المصري إلى القارة الإفريقية.
ثانيا: فتح علاقات جديدة مع بعض الدول (المجر، البرتغال، أذربيجان)، وتوطيد العلاقات مع إسبانيا لدعم علاقات التعاون في المجالات العسكرية، بما عكس التوجه المصري في تنويع المصادر العسكرية، دون الارتكاز فقط للجانبين الفرنسي والروسي في الدعم العسكري.
ثالثا: استعادة العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن. فعلى الرغم من موقف إدارة أوباما المضاد لثورة 30 يونيو، والمسار السياسي المتولد عنها، فقد حرصت مصر على استمرار قنوات الاتصال بمختلف أجهزة ومؤسسات صنع القرار الامريكى. إذ لم تتوقف زيارات وفود من الكونجرس الأمريكي لدعم مصر في حربها ضد الإرهاب، فضلا عن زيارات بعض المسئولين العسكريين والسياسيين، مثل رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري، ورئيس اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية بلجنة الاعتمادات بالكونجرس.
يؤكد ذلك أيضا الملامح الأساسية التى تتعلق بالمكانة المركزية لمصر فى ظل تغيرات إقليمية متسارعة من جهة، وتلك المتعلقة – من جهة أخرى- بالعلاقات المصرية –الأمريكية، خاصة فى ظل ما شهدته العلاقات بين البلدين من توتر عقب ثورة 30 يونيو، مما يؤكد استمرار مركزية مصر فى السياسة الأمريكية الشرق الأوسطية من الناحيتين الأمنية والعسكرية، واستمرار التعاون بين البلدين فى مجال مكافحة الإرهاب.
رابعا: نجحت مصر فى تعزيز مبدأ التوجه شرقًا من خلال الجولات الرئاسية لعدد من الدول الآسيوية، مثل كازاخستان، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتعزيز العلاقات مع دول البحر المتوسط كاليونان، وقبرص، وكذا علاقتها بالقوى الإقليمية الصاعدة كروسيا، والبرازيل، والهند.
خامسا: استعادة زخم العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبى كفرنسا وألمانيا، على أسس عسكرية واقتصادية، حيث شملت جولة الرئيس الفرنسى آنذاك فرانسوا أولاند بالشرق الأوسط مصر، وصاحبه وفد مكون من 30 من رؤساء الشركات الفرنسية الكبرى، والصغيرة، والمتوسطة، شاركوا فى منتدى الأعمال المصرى – الفرنسي، وتم توقيع نحو 19 اتفاقية تجارية فى مختلف المجالات الاقتصادية، والطاقة المتجددة، والنقل.
أضف لذلك نجاح القاهرة فى إعادة العلاقات المصرية - الالمانية على أسس اقتصادية وعسكرية، عقب سلسلة زيارات متبادلة بين الرئيس السيسي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وجاءت هذه الزيارات لمصر فى إطار الاتفاق حول ترتيبات تتعلق بالأوضاع الأمنية والسياسية بالمنطقة، وتسوية الصراعات فى سوريا واليمن.
مما سبق، يمكن القول إن مصر نجحت فى إعادة بناء الثقة مع القوى الأوروبية والأمريكية من ناحية، وتأسيس علاقات شراكة مع قوى دولية متعددة، من ناجية أخرى، مما يعنى قدرتها على التحرر من القيود التى فرضت عليها منذ ثورة 30 يونيو. لكن لا تزال هناك تحديات تجابهها مصر، كالإرهاب وإن كان أصبح قضية عالمية، لكن الفرص متاحة لمصر لمزيد من الانخراط فى طرح مبادرات فاعلة للتسويات المتعثرة للصراعات فى الإقليم.