كشف بيان تنظيم "سرايا الدفاع عن بنغازي" الليبي، الذي يعد أحد فروع "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء، باستعداده لحل نفسه في الـ 23 من يونيو الماضي، وإحالة الأمر للجهات المعنية في الدولة للنظر في مستقبله، عن تحولات استراتيجية جديدة تتبعها فروع التنظيم فى تلك المنطقة للتعامل مع المتغيرات والمستجدات.
جاء ذلك بعد أقل من شهر من إعلان تنظيم "أنصار الشريعة" عن حل نفسه في الـ28من مايو 2017، الأمر الذي بات يطرح تساؤلات حول أهم ملامح التحولات في فروع تنظيم القاعدة، ليس في ليبيا، فحسب بل في تلك المنطقة بشكل عام.
أهم ملامح التحولات:
شهدت فروع القاعدة في الساحل والصحراء عددا من التحولات المهمة خلال الفترة الأخيرة، لكي تتمكن من البقاء على قيد الحياة من ناحية، والتمدد والانتشار من ناحية أخرى. ويمكن تحديد أهم ملامح هذه التحولات في الآتي:
(*) التظاهر بالكمون والاختفاء: فعلى الرغم من أن المجموعات القاعدية في ليبيا تتسم بالتماهى مع نظيراتها في شمال وغرب إفريقيا في عدم الإعلان عن ولائها القاعدي بشكل واضح، فإنها تسعى إلى الاختفاء التنظيمي من الساحة الصراعية، عبر الإعلان عن حل نفسها، كما حدث من قبل "أنصار الشريعة"، و"سرايا الدفاع عن بنغازي"، وذلك من أجل الحفاظ على نفسها، عبر تجنب الضربات العسكرية.
وجاء ذلك إثر الضربات الجوية المصرية لمعاقل التنظيمات الإرهابية، ردًا على الهجوم الذي استهدف مجموعة من المصريين الأقباط فى محافظة المنيا في الــ 26 مايو 2017. وبالتالي، فإن تلك الخطوة تشير إلى تحول بعض المجموعات القاعدية إلى انتهاج سياسة الكمون والاختفاء من أجل تجنب الضربات المصرية المحتملة التي يمكن أن تعصف بما تبقى من قوتها.
(*) محاولة تجنب الضربات الأمريكية: فقد ابتعدت المجموعات القاعدية فى الساحل والصحراء، خلال الفترة الأخيرة، عن استهداف مصالح واشنطن بالمنطقة، على الرغم من عدائها للولايات المتحدة، وذلك تخوفا من الضربات الأمريكية لفروع التنظيم، لاسيما بعد تولى الرئيس دونالد ترامب للرئاسة، حيث حرصت إدارة الأخير على استهداف فروع القاعدة، كما في اليمن، التي تعرض فيها فرع التنظيم لعشرات الضربات الجوية، خلال الأشهر الأولى فقط من عام 2017.
زاد من هذه المخاوف ما كشفت عنه جريدة "نيويورك تايمز" في مارس 2017 من أن الولايات المتحدة تقوم ببناء قاعدة عسكرية لطائرات دون طيار في مدينة "أغادير" بالنيجر بقيمة 50 مليون دولارلمراقبة الأوضاع في جنوب ليبيا من أجل تتبع المجموعات "القاعدية" و"الداعشية" في ليبيا.
(*) تغير أولويات الاستهداف:فمن المعروف أن "الفكر القاعدي" قائم على أولوية استهداف مصالح الدول الغربية، لذا أطلق "التنظيم" على نفسه عند نشأته، في منتصف أغسطس 1998، "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصلبين". إلا أن الملاحظ أن فروع "القاعدة" في الساحل والصحراء أعطت الأولوية لاستهداف مصالح دول تلك المنطقة، بعد أن أدركت صعوبة استهداف مصالح الدول الغربية.
فقد استهدفت هذه التنظيمات القطاعات الاقتصادية المهمة، مثل السياحة، كالهجوم الذي استهدف منتجع "كانغابا" السياحي، القريب من العاصمةالمالية باماكو في الـ 19 من يونيو 2017، أو عبر استهداف رجال المؤسسات الأمنية والعسكرية، كالهجوم على دورية للجيش النيجري على الحدودالمالية-النيجرية ،في 24 فبراير2017، مما أدى إلى مصرع 15 جندياً، الأمر الذي يشير إلى التحول في الأولويات لدى هذه المجموعات.
(*) التوسع في التحالفات القبلية:حيث حرصت المجموعات القاعدية أخيرا على التوسع في التحالفات القبلية بعد أن كانت مقتصرة على التحالف فيما بينها، وذلك عن طريق التحالف والتعاون مع القبائل القوية، مثل "الطوارق"، و"التبو"، و"الفولاني"، وذلك من أجل توسيع نشاطها، والحصول على موارد بشريةجديدة، إضافة إلى تسهيل تجارتها غيرالمشروعة، مثل تهريب البشر، والسلع، والمخدرات، بما مكنها من الحصول على أموال طائلة، جراء تلك التجارة، فضلا عن مد نفوذهاإلى مناطق جديدة في المنطقة.
(*) التركيز على التوسع الجغرافي: إذ حرصت المجموعات القاعدية على التوسع جغرافيا، خلال الفترة الماضية، فى دول بالساحل والصحراء، مثل النيجر، وبوركينافاسو، وموريتانيا، وتشادو، مالي، وذلك عبر التحالف مع المجموعات المسلحة النشطة في هذه المنطقة، مثل حركة "أنصارالدين"، وحركة "تحريرماسينا" في تنظيم جديد أطلق عليه"نصرة الإسلام والمسلمين" أعلن عنه فى مارس 2017، تحت قيادة "إياد أغ غالى"، زعيم "أنصار الدين".
استهدف التحالف الجديد نشر أفكار هذا التنظيم الجديد، وخلق وجود له داخل دول المنطقة بما يوسع الخريطة الجغرافية للفكر القاعدي، لاسيما في ظل رغبة المجموعات القاعدية في التوسع، خلال هذه المرحلة لاستغلال حالة التراجع "الداعشى". وساعدها في ذلك الهشاشة الحدودية بين تلك الدول، وعدم قدرة جيوشها على تحجيم الأنشطة الإرهابية. وربما ذلك الأمر دفع الاتحاد الأوروبي، في يونيو 2017، إلى التعهد بدفع(50) مليون يورو لمساعدة هذه الدول، على تشكيل قوة لمواجهة توسع تلك المجموعات لما يمثله ذلك من خطورة على مصالحها.
(*) تقديم المواجهة العسكرية على الفكرية: حيث سعى تنظيم "القاعدة" بمجموعاته المختلفة في تلك المنطقة إلى استئصال الوجودد الداعشى، عبر الوسائل العسكرية، بدلا من المواجهة الفكرية، التي فشلت فى القضاء على هذا الوجود، حيث قام بتشكيل مجموعات عسكرية محترفة للقضاء على ما تبقى من البؤر الداعشية، مثل: "كتيبة الفتح المبين"، التي قامت بالقضاء على مجموعة "سكيكدة" التي انشقت عن القاعدة، وأعلنت ولاءه اللبغدادي في مارس 2016. دفع ذلك عضو مجلس شورى التنظيم "أبوهشام أبوأكرم"، في يناير 2017،إلى التصريح بأن "داعش" انتهى من المنطقة إلى الأبد.
على ضوء ما سبق، يمكن القول إن فروع تنظيم "القاعدة" فى الساحل والصحراء ستستمر فى تلك التحولات، وذلك من أجل الحفاظ على تنظيماتها، وترسيخ وجودها في هذه المنطقة، والاستعداد للمرحلة المقبلة، لاسيما وأنها تدرك أنه من المحتمل أن تكون الهدف المقبل للتحالف الدولي بعد القضاء على "داعش"، الأمرالذي بات يفرض على دول المنطقة وضع استراتيجية للتعامل مع تلك التحولات، من أجل الحد من المخاطر المحتملة لتلك المجموعات، خلال الفترة القادمة.