حسم الملك سلمان بن عبدالعزيز الموقف داخل السلطة السعودية عندما أصدر الأربعاء 21 يونيو 2017 مجموعة من المراسيم، في مقدمتها تعيين نجله الشاب الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، وإعفاء الأمير محمد بن نايف من مناصبه.
جاء ذلك بعد أن وافقت هيئة البيعة على هذا القرار بأغلبية كبيرة، وبادر الأمير نايف بنفسه بتقديم البيعة في مشهد إنساني مؤثر، تأكيدا على موافقته علنا على هذه الخطوة، وبذلك تكتمل أركان الإجراءات المتعلقة بالتعيين طبقا للشرائع السعودية.
كان هذا التغيير متوقعا لأن الأمير الشاب كان مصاحبا لوالده في عمله، منذ أن كان أميرا لمنطقة الرياض، ذلك المنصب الذي شغله والده طويلا، وانتقل معه إلى مهامه الأخرى كولي للعهد ووزير للدفاع، إلى أن تولى والده الملك عام 2015. وعندئذ، نصبه وليا لولى العهد قبل أن يتم تصعيده إلى منصبه الجديد.
ووضح خلال العامين الماضيين تحرك الأمير سلمان على سطح الأحداث في تناوله لأهم الملفات السياسية والاقتصادية، متمثلة في زياراته المهمة، ولقاءاته عالية المستوى مع المسئولين في الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وتنشيطه للعلاقات مع مصر، والتي تمثل ركنا مهما في السياسة السعودية، ومواجهة الأزمة الدامية في اليمن، واتخاذه لمواقف قوية من إيران. ومن جانب آخر، فقد لفت الأنظار بتقديمه خططا طموحا لبناء اقتصادي حتى 2030 تستهدف خفض اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط.
جاءت هذه التغيرات غير نمطية إزاء حداثة سن الأمير (مواليد 1985) بالنسبة إلى منصبه الذي يؤهله لتولى العرش، ويعنى هذا انتقال هذا المنصب من جيل الأبناء إلى جيل أحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز، وهو أمر قد لا يجد ارتياحا لدى رجال الأسرة المالكة، على أساس أنه جرى كسر قاعدة "السن". إلا أنه من جهة أخرى، يتوقع أن يجد تأييدا لدى جيل الشباب في المملكة، والذين يشكلون أغلبية ملموسة، فضلا عن أنها تتسق مع الاتجاهات المتصاعدة في المنطقة بالاعتماد على الشباب، خاصة أن ولى العهد الجديد قد أثبت خلال السنوات الأخيرة قدرته على المبادرة، اتخاذ قرارات صعبة، وهو ما أكدته تصريحات واتصالات القادة الذين رحبوا بتعيينه.
وقد عمل الملك سلمان، فيما أصدره من مراسيم، على تهدئة المخاوف التي قد تتولد بأن يكون العرش السعودي توارثا لنسل الملك سلمان، لذلك نص المرسوم الملكي على أن "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم .. ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكا ووليا للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس".
ومن الطبيعي أن يثور عقب ذلك الكثير من التساؤلات عما إذا كانت هذه المراسيم الملكية قد أنهت الاحتقان المكتوم في الفترة الماضية حول الملك وولاية العهد، أم لا وهو أمر من المبكر التكهن به، وإن كانت الخطوة التي اتخذها الأمير محمد بن نايف يمكن أن تكون ردا شافيا على هذا التساؤل، فضلا عن أن وحدة الأسرة الحاكمة وتماسكها يعدان من القواعد الأساسية للنظام السعودي.
وعما إذا كان من المتوقع أن تشهد المملكة تغيرات في مواقفها السياسية في الفترة المقبلة، أم لا يغلب الاعتقاد أن هذا أمر مستبعد على المدى القصير. ذلك أن الأمير محمد بن سلمان كان قريبا من أغلب الملفات السياسة المهمة، التي تحمل بصماته، وهو ما أكدته اتصالاته وتصريحاته الأخيرة وبخاصة علاقاته مع الولايات المتحدة، ومصر، وموقفه الحاسم من إيران، وقضايا الإرهاب.