سعت إيران وتركيا إلى استثمار أزمة مقاطعة قطر لتعزيز دوريهما الإقليميين في المنطقة، فأبرزتا ميلا إلى تبنّي موقف أقرب إلى الدوحة. ومنذ اندلاع الأزمة، كشفت الاتصالات الإيرانية والتركية، وزيارة جواد ظريف إلى أنقرة في 6 مايو الجاري عن تنسيق مشترك بين البلدين. في الوقت نفسه، تخلت إسرائيل عن مواقفها الغامضة، واصطفت إلى جانب معسكر دول القطيعة مع قطر.
يفتح ذلك الباب واسعاً عن احتمالات تبدل التحالفات الإقليمية على خلفية الأزمة القطرية، وانعكاساتها على مصالح دول الإقليم، وفي الصدارة منها إسرائيل، وتركيا، وإيران.
تركيا.. فتور وأرباح
دخلت تركيا سريعاً على خط الأزمة القطرية- الخليجية، حيث أقر البرلمان التركي في 7 مايو الجاري (2017) تشريعًا يسمح بنشر قوات في قاعدة عسكرية تركية في قطر، تطبيقاً لاتفاق دفاعي أبرم بين البلدين في العام 2014.
وبالرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقد قرار مقاطعة قطر، ورفض اتهام الدوحة بتمويل الإرهاب، فإنه تجنب في الوقت ذاته انتقاد دول المقاطعة بشكل مباشر. كما أعلنت الشركات التركية عن استعداداتها لتدبير إمدادات الغذاء والماء التي تحتاج إليها قطر، حيث أكد رئيس جمعية المصدرين الأتراك أنهم مستعدون لتلبية الطلب القطري على الغذاء والماء.
ويرجع ذلك الدعم التركي لقطر إلى المصالح الاقتصادية والسياسية بين الدوحة وأنقرة، حيث فازت شركات تركية بعقود تفوق قيمتها 13 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في قطر لها صلة بتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022، فضلا عن احتمال استفادة تركيا من الحصول على الغاز القطري بأسعار زهيدة، إذا ما توترت العلاقة مع روسيا، الحليف المذبذب، إضافة إلى البعد الأيديولوجي من حيث دعم حركات الإسلام السياسي.
على جانب آخر، فإن الانخراط التركي عسكريا في الأزمة القطرية قد يزيد من نفوذ تركيا عسكريا بعد تمركز قواتها في الصومال، وكردستان العراق، بجوار قوات تركية على الأراضي السورية، لا تزال موجودة هناك برغم الإعلان عن انتهاء عملية درع الفرات في 29 مارس الماضي.
لكن في المقابل، قد تشهد علاقات أنقرة مع محور المقاطعة تراجعاً في الفترة المقبلة. وكان بارزاً، هنا، تصاعد الشكوك بشأن إنهاء الرياض أكبر صفقة للسفن الحربية مع تركيا بقيمة ملياري دولار، من طراز "ميلغم" (MİLGEM)، ومروحيات (أتاك) التركية الصنع. كما يتوقع تراجع حضور الاستثمارات السعودية في أنقرة، برغم أن البلدين قطعا شوطاً معتبراً على صعيد التبادل التجاري، والذي وصل إلى نحو 20 مليار دولار.
ولعل موقف أنقرة من أزمة قطر أسهم في بروز دعوات مواطنين سعوديين لمقاطعة المنتجات التركية على مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن العلاقة بين تركيا ومحور الرياض، وإن كانت مرشحة للفتور، فإنها لن تصل إلى حد القطيعة، لأن استعداء تركيا يعني عمليا إضعاف المعسكر السني الذي تسعى الرياض عمليا لتقويته في مواجهة إيران.
إيران.. مكاسب آنية
التزمت إيران على المستوى الرسمي، في البداية، موقفاً حذراً من الأزمة القطرية، وأكدت حرصها في خطاب أولى على مواصلة تعزيز العلاقات مع كل الأطراف، مع توجيه إشارات ترفض الإجراءات التي اتُّخِذت ضد قطر. ومع تسارع وتيرة الأحداث، أعلنت على لسان مسئوليها رفضها الإجراءات العقابية ضد قطر. وأكد المستشار السياسي للرئيس الإيراني حميد أبو طالبي أن "عهد العقوبات انتهى، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق الحدود وحصار الدول، والطرد من التجمعات ليس مخرجاً للأزمة".
وينطلق الموقف الإيراني باتجاه دعم قطر من حسابات عدة، أولها تعدد أوجه التعاون مع قطر. فأمنيا، وقع البلدان في عام 2016 اتفاقية تتيح للقوات الإيرانية العمل داخل المياه الإقليمية القطرية، في إطار مساعى مطاردة المهربين والإرهاب. كما برز التعاون الأمني من خلال استغلال نفوذ قطر لدى بعض الجماعات السورية المسلحة، بما في ذلك جبهة النصرة لإطلاق سراح 30 جنديا إيرانيا كانوا قيد الاعتقال لدى قوات المعارضة السورية.
كما لعبت قطر دوراً كبيراً في المساعدة على إعادة جثث 13 ضابطاً إيرانيا، قتلوا في مدينة خان طومان السورية. واقتصاديا، ثمة منطقة حرة بين الدوحة وطهران في مدينة بوشهر الإيرانية، تم إنشاؤها بموجب اتفاقية في عام 2014. وعشية الأزمة، عرضت إيران على قطر تصدير المحاصيل الزراعية، والمواد الغذائية عبر 3 موانئ في جنوب إيران.
ويرتبط المحرك الثاني بحرص طهران على ترميم علاقتها مع أنقرة، وتجلى ذلك في إحداث نقلة نوعية بين البلدين. فبعد أشهر من التوتر على خلفية اتهام الأولى لطهران بالسعي إلى تقسيم المنطقة على أسس مذهبية وعرقية، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة في 7 مايو الجاري، في سياق مناقشة الأزمة الخليجية.
خلف ما سبق، تسعى طهران إلى توسيع نفوذها داخل الدوائر الجغرافية التي تمثل عمقا استراتيجيا للخليج، ومنها سوريا، واليمن، والعراق. ولذلك، تقوم إيران بدعم الموقف القطري، رغبةً منها بأن يطول أمد الخلاف داخل الجبهة الخليجية.
على صعيد ذي شأن، يمثل الانخراط الإيراني في الأزمة القطرية فرصة مواتية لطهران لترميم العلاقة مع حركة "حماس"، بعد أن دخلت العلاقة مرحلة الفتور منذ عام 2011. ووقعت طهران والحركة اتفاقاً مبدئياً في لبنان الشهر الماضي يقضى باستئناف الدعم المالي الإيراني للحركة، فضلا عن عودة العلاقة وتطويرها.
ومثلت الأزمة الخليجية فرصة لإيران لتطوير علاقتها بإيران، حيث زادت قرارات مقاطعة قطر من حجم الضغوط على حركة "حماس"، وبدا ذلك في تراجع حجم الدعم القطري السياسي لها، وزاد قلق حماس بعدما طلبت قطر منها رسمياً عدم استخدام أراضيها في توجيه أي عمليات ضد إسرائيل.
غير أن حضور إيران في المشهد الخليجي عبر البوابة القطرية ليس مرشحاً له أن يتمدد، لأن الثمن الذي ربما تدفعه الدوحة سيكون مكلفاً من حيث احتمالات الخروج من مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن أن الدوحة في هذه الحالة ربما تستعدى واشنطن التي ترى إيران الراعى الأول للإرهاب في العالم.
إسرائيل.. الرابح الأكبر
جاء مردود الأزمة الخليجية إيجابيا على إسرائيل، إذ حققت مجموعة من المكاسب الآنية، أولها عزل وإضعاف حركة "حماس". فبعد هجوم شنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على حماس، واصفا إياها بالإرهابية، انتقد كل من يقدم غطاء لمنظمة إرهابية، وهو الأمر الذي دفع قطر التي تستضيف بعض قادة حماس إلى التخلي عن دعمها للحركة، ومطالبة بعض قادتها بشكل غير معلن بمغادرة الدوحة.
ويرتبط المكسب الثاني بتصاعد فرص إسرائيل للانخراط مع المحور السني في المنطقة التي تقوده الرياض في مواجهة إيران. وفي تصريحات له، رأى أفيجدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، أن " قطع العلاقات العربية مع قطر يفتح الكثير من الفرص أمام إسرائيل للتعاون مع المحور السني في مواجهة الإرهاب".
والواقع أن إضعاف التنظيمات الراديكالية في المنطقة، لاسيما أن التعاون الحادث الآن بين دول المحور السني، وفي الصدارة منها القاهرة والرياض، يسعى إلى تحقيق استقرار في المنطقة، ويضع محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة أولوية.