تحليلات - عالم عربى

البيان المجمع الأول: الدلائل والمؤشرات

المجمع - داخلي
طباعة
تداعيات متواترة فرضت نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية، منذ الخامس من يونيو الماضي، وذلك بعد أن اتخذت أربع دول عربية كبيرة قرارها بقطع العلاقات مع دولة قطر. وكانت كل دولة من الدول الأربع قد أصدرت بيانًا منفصلًا يحمل المبررات الكافية، وفقًا لما طال كلا منها من اختراقات لكيان دولتها الوطنية، وما مس كلا منها من ضرر بالغ جراء الانتهاكات القطرية المستمرة لسيادة كل منها وأمنها القومي.
 
 ومنذ هذا التاريخ، تبلورت صيغ مختلفة لمسار ما اصطلح على تسميته بـ "الأزمة العربية– القطرية"، وهو مسمى يختزل مجموعة من العلاقات والتحالفات الإقليمية والدولية، التي على ما يبدو أنها ستتخذ من واقع أرض الوطن العربي مسرحًا جديدًا لعمليات يمكن أن تهدد، حال عدم السيطرة عليها، باحتمال اندلاع عمليات عسكرية محدودة التأثير، ولكن يمكن أن يكون لها أثر بعيد الدلالة، ويمكن لها أيضًا أن تتحول لعمليات موسعة، وذلك في ظل عدم الرشادة، والقدرة على تقبل تبعة وتكلفة تحمل النظام القطري لسياساته منذ فترة طويلة من الزمن.
 
  وفى هذا الإطار، تبرز محاور الأزمة الأربعة، التي تتمثل في المحور الخليجي– الخليجي، والمحور العربي، والمحور العربي بالتقاطع مع القوى الإقليمية المجاورة له، والتي لها أطماع وأهداف تحاول أن تحققها على حساب الوطن العربي، والمتمثلة في مثلث تختلف أولوياته، وأهدافه، وسياساته، وأيديولوجياته من دولة لأخرى، ولكن مصالحها تلتقي على المزيد من الإضعاف الممنهج، والقضاء على الوطن العربي، وعلى الدول الوطنية الكبرى فيه بهويتها الذاتية، والتي تترجم في الهوية القومية العربية، ونعني بهذا المثلث (تركيا، إسرائيل، وإيران).
 
 ويتبقى المحور الأخير المتمثل في تفاعلات القوى الدولية، والولايات المتحدة الأمريكية، القوة العظمى في هذا النظام مع الأزمة، وهي التفاعلات التي لا يزال يكتنفها الغموض، وعدم وضوح المواقف، التي تتباين بين عشية وضحاها، وهو الأمر العاكس لارتباط وتعقد المصالح الشديد بين قوى العالم الكبرى والعظمى، وبين دول الوطن العربي والخليج بالتحديد، وبينها وبين دول الجوار الإقليمي.
 
 وسط كل ذلك، واستكمالًا لعدم رشادة ردود فعل النظام القطري، منذ انعقاد القمة العربية- الإسلامية- الأمريكية التي انعقدت بالرياض. فقد سارع النظام القطري بإعلان عدم إدراك مخاطر الذهاب بعيدًا عن تحمل المسئولية فيما حدث. وبدلًا من أن يستجيب لوساطات دول عربية تحاول رأب الصدع الذي سببته السياسات العدوانية القطرية الرامية لتهديد هوية الدولة الوطنية في البلدان التي استهدفت عبر مشروع تقسيم المنطقة العربية، والتي كانت ثورة 30 يونيو نقطة الانطلاق الأولى لوقفه عند حده، وبدلًا من أن تحاول أن تتفهم أنها على طريق الانعزال التدريجي بالفعل بعد أن اتخذت مملكة الأردن، والمملكة المغربية خطوات تمهيدية مختلفة على طريق التصعيد نحو نقطة قطع العلاقات، في إشارة إلى أن هناك إدراكًا عربيًا بدأ يتزايد بمخاطر تهديد النظام القطري- سارع النظام القطري مجددًا إلى الارتماء في ملعب السياسات التي تخدم أهداف إيران وتركيا. وشهدت الساعات الأخيرة تبادل زيارات وساطة عربية رفضها النظام القطري، إضافة إلى زيارات أمنية وعسكرية، وتنسيقات مشتركة في الإطارين السابقين، يبدو أنها الأكثر تفضيلًا لديه مع إيران وتركيا.
 
 ولعل ذلك ما ترجم في إعلان تركيا عن إقرار برلمانها اتفاقا عسكريا مع قطر، يتيح لها نشر قوات عسكرية بها، إضافة إلى ما تناقلته مواقع إخبارية عن انتشار قوات الحرس الثوري الإيراني داخل القصر الأميري القطري، وهي معلومات لم يتسن التأكد منها، نتيجة لتطبيق أعلى درجات شكل الحكم البوليسي الديكتاتوري بداخلها، والتي كثيرا ما كانت الديمقراطية والتغيير هما السلاح الذي استخدمته كغطاء لفرض تدخلاتها في الشأن الداخلي، بل ونشر الفوضى، وإسقاط نظم حكم، عبر ذراعها الإعلامية بالغة التأثير آنذاك، والمتمثلة في قناة الجزيرة.
 
بغض النظر عما سبق، جاء البيان العربي المشترك ليجمع إرادة الدول الأربع العربية، ليؤكد  مجموعة من الحقائق:
 
1. البيان يتضمن التزاما واضحًا من الدول الأربع باستراتيجية مكافحة الإرهاب المصرية، التي تم تقديمها في مؤتمر الرياض، والتي أقرت كوثيقة في مجلس الأمن، وذلك بمحاورها الأربعة الرئيسية، وهو الأمر الذي يعكس إدراكًا من القيادة السياسية في الدول الأربع بمؤسسية تحركاتها على الأرض، وأنها تتحرك وفقًا لالتزامات تفرض على الولايات المتحدة، الشريك الرئيسي في مؤتمر الرياض، أن تفعل من دورها، وأن تبتعد عن الضبابية التي باتت تستخدم كمبرر للنظام القطري لعدم الانصياع للإرادة العربية.
 
2. إفصاح الدول الأربع عن أن قرارها الأخير لم يأت كرد فعل على سياسة أو إساءة معينة بحق دول وحكام عرب. وقد حاول النظام القطري أن يشخصن الأزمة من خلال أطروحات تروج لذلك عبر أذرعته الإعلامية المتعددة التي تدعمها الجماعة الإرهابية الأكبر، عبر أكبر شبكة للتفاعل بين المواقع الإخبارية والقنوات الفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي. وحمل البيان الإشارة إلى الجهود العربية المتواصلة منذ اتفاق الرياض 2013 ، والاتفاق التكميلي له في مارس 2014 ، والخروقات القطرية المستمرة له.
 
3. يحمل البيان إشارات واضحة على نجاح التعاون الأمني والمخابراتي بين أجهزة المعلومات في الدول الأربع في تحقيق نجاحات في كسب تأييد أجهزة ودول أخرى تجاوبت مع منطقية المعلومات المتوافرة لديها، وهو الأمر الذي عبرت من خلاله الدول الأربع عن شكرها وامتنانها لهذه الدول، وذلك كبادرة لكسب وتشجيع المزيد من الدول على تبني  المواقف الثابتة نفسها من دولة، توافرت المعلومات الموثقة عن اضطلاعها بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وفقًا لمحاور الاستراتيجية المصرية.
 
4. أثبت الكشف الأولي، ضلوع دولة قطر فى توفير الملاذ الآمن، واحتضان رموز رئيسية للأفكار المتطرفة. وقد أبرز بيان الدول الأربع، الذى تم فيه الإعلان عن أسماء 59 شخصية، و12 كيانًا، تمثل القائمة الأولية، وهي الأسماء الأكثر خطورة في تبني الأفكار المتطرفة، والتي تعمل على نشرها عبر شركات تقدم حلول وخدمات الإنترنت، والمؤسسات الخيرية، ومنظمات العمل الأهلي الخيري، والحركات التي حاولوا أن يصوروها كحركات تحرير ومقاومة ودفاع، وذلك وفقًا لمسميات تغطي على الأهداف الحقيقية لتأسيسها، مع التعهد بتحديث هذه القائمة فى بيانات تالية.
 
 وفي هذا الإطار، نشير إلى أن القائمة شملت 26 اسمًا مصريًا، هم من العناصر الأكثر خطورة، والمنتمين لتنظيم الإخوان الإرهابي، والجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد، وهذه الأسماء معظمها كان في السجون، وتم الإفراج عنههم أو عادوا إلى أرض الوطن، إبان فترة حكم التنظيم الإرهابي لجمهورية مصر العربية.
 
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه رغم تواتر الأحداث ما بين الرشادة التي تحكم عمل المؤسسات والأجهزة التنفيذية في الدول الأربع، فإنها تقابل من الأطراف الأخرى الفاعلة مباشرة في الأزمة بإجراءات تصعيدية وعدائية، وهو أمر من المؤكد سيلقي بتبعاته على موقف كل من القوى التي دخلت ساحة الأزمة، رغبة في الحفاظ على مكاسب، سواء على حساب النظام القطري، أو على حساب الوطن العربي، والذي تتولى الدفاع عنه وعن هويته القومية، التي تقوم في الأساس على الحفاظ على الهوية الوطنية لكل دولة فيه الدول العربية  الكبرى الباقية فيه. والمؤكد أن تركيا بهذا التدخل السريع تريد أن تنقذ شريكها الرئيسي في مخطط هدم الهوية الوطنية للدول العربية الكبرى، ومن ثم هدم الهوية القومية العربية مقابل إحياء حلم الخلافة العثمانية، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على النموذج الإيراني، الذي له الأهداف نفسها، ولكن من منظور فارسي.
 
والغريب أن الطرفين التركي والإيراني يمران عبر البوابة القطرية، فيما تبقى إسرائيل المستفيد الوحيد في مقعد المتفرج، بعد أن أشعلت النيران باجتذابها حكام قطر منذ سنوات طويلة ماضية، وإخضاعهم لرغباتها التي لا تبتعد كثيرًا عن التركية والإيرانية. وتبقى الأيام القادمة كاشفة عن مدى تماسك إرادة الدول العربية الأربع، وقدرتها على عرض قضيتها بعدالة أمام المنظمات الدولية والإقليمية، واجتذاب المزيد من دول العالم الأكثر تأثيرًا لصفها على طريق، قصر أم طال، سيكشف أمام الجميع كيف كانت قطر البوابة لطموحات قوى إقليمية ودولية في جسد الوطن العربي المريض.
طباعة

    تعريف الكاتب

    أحمد ناجي قمحة

    أحمد ناجي قمحة

    رئيس تحرير مجلتى السياسة الدولية والديمقراطية