هذه هى القمة المفترض أن تنعقد بعد ظهر اليوم الأحد 21 مايو فى العاصمة السعودية الرياض، وهى ثالث قمم ثلاث إذ تسبقها قمة ثانية محدد لها صباح اليوم تجمع بين الدول الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى والولايات المتحدة، بينما كان يوم الأمس كله مخصصا للقمة الأولى بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. فى أذهان من نظموها القمم الثلاث متصلة فيما بعضها، ولكن ترتيب انعقادها والوقت المخصص لكل منها يكشفان عن أهميتها الحقيقية بالنسبة إليهم. نختص القمة الثالثة بالتعليق فى هذا المقال. التعليق يندرج تحت أبواب ثلاثة: منهج تنظيم القمة، ومضمونها، وتوقيتها.
فى المنهج، المادة الإعلامية التى نشرت تمهيدا لها على الموقع الرسمى للقمم الثلاث على شبكة الإنترنت تتحدث عن دعوة 55 دولة سيمثلها إما رؤساؤها وإما نواب عنهم. السؤال الجدلى يثور: لماذا تسمى القمة بالأمريكية العربية الإسلامية وليس بقمة بين الولايات المتحدة ومؤتمر التعاون الإسلامى وكل الدول العربية أعضاء فيه؟ الجواب واضح وهو أن كل دول مؤتمر التعاون الإسلامى السبعة والخمسين ليست مدعوة. الدعوة لم توجه لإيران ولدولة أخرى ليست معروفة. شاع فى البداية أن هذا البلد هو العراق ثم اتضح أن الرئيس العراقى مدعوّ. من جانب آخر، تردد فى بعض وسائط الاتصال أن المدعوين أقل كثيرا من الخمسة والخمسين.
المعلومات المنشورة عن المؤتمر ليست موثوقا فيها. وعلى الرغم من الأهمية المعطاة للمؤتمر، فهو كما أعلن عنه يرمى إلى إرساء بناء عربى أمنى جديد، شُبّه بحلف شمال الأطلسى، على الرغم من ذلك فإن اختيار الحضور اضطلعت به المملكة العربية السعودية وحدها. أى أن دولا تدعى للدخول فى تحالف عسكرى وهى لا تعلم مع من ستتحالف! ثم لماذا تدعى دول إسلامية للدخول فى تحالفٍ عربى أو لحضور مؤتمرٍ يؤسس لتحالف عربي؟ موضوع التحالف نفسه سنعود إليه عند التعليق على مضمون المؤتمر. غير أن فى المنهج فسادا آخر ذا أهميةٍ كبرى. الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أعلن منذ أسابيع بشأن المؤتمر ما معناه أنه يريد من خلاله أن يبعث للشباب المسلم برسالة أمل فى المستقبل. وماذا عن الشباب العربى المسيحى، القبطى منه والمارونى والروم أرثوذوكسى والكلدانى وغيره؟ أم أن ترامب لا يرى فى الدول العربية غير دول إسلامية ويكون بذلك قد منح شرعية لداعش وغيرها التى لا ترى فى الدول العربية هى الأخرى إلا دولا بل دولةً إسلاميةً واحدة. الرافعون للواء الدولة الوطنية يثرثرون إن سكتوا على أى حديث يقوّض هذه الدولة كما فعل الرئيس ترامب وغيره بالمفاهيم التى يسوّقونها عن علم أو عن غفلة.
عنصر ثالث فى المنهج يخص مصر. فى يونيو 2009، توجه الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما إلى العالم الإسلامى هو أيضا، ولكنه فعل ذلك من القاهرة، من تحت قبة جامعتها، أول جامعة فى العلوم الدنيوية فى العالم العربى ومن أولى هذه الجامعات فى العالم الإسلامى. بعدها بثمانى سنوات، وكأنما ترامب يردّ على أوباما ولكنه يفعلُ من الرياض!
مضمون القمة هو التحالف العسكرى العربى وهو التحالف الذى تسرّب أن الهدف منه هو محاربة داعش والقاعدة، من جانب، ومواجهة إيران، من جانب آخر. هل التحالف العسكرى الشبيه بالحلف الأطلسى هو السبيل لمحاربة الإرهاب؟! مثل هذا التحالف هو للجيوش النظامية التى تتواجه فى الحروب بين الدول، ولكنه ليس مهيأً لخوض حروب العصابات أو المواجهات مع الجماعات الإرهابية سريعة الحركة التى تختفى بسهولة فى بيئتها. مواجهة إيران كمبرر للتحالف المبتغى مسألة جد خطيرة. العمل على تجميع القوة العسكرية لمواجهة إيران ليس السبيل لإرساء بناء أمنى خليجى، فالبناء الأمنى الإقليمى الذى يحقق الأمن والسلم لأطرافه لا بد أن يشترك فيه كل من يقع فى إقليم ما، واستبعاد دولة واقعة فى الإقليم يقوّض هذا البناء.
هنا تثور مسألة تتعلق بالمنهج فى بناء المضمون، وهو غير منهج تنظيم المؤتمر الذى تناولناه أعلاه. البناء الأمنى الإقليمى مفهوم يختلف عن التحالف العسكرى. فى أوروبا انعقد مؤتمر الأمن والتعاون فى أوروبا ثم تحول إلى منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا كبناء أمنى فى القارة، وهو فى مفهومه مختلف عن حلف شمال الأطلسى الذى لا يضم كل الأطراف الضرورية للحفاظ على الأمن فى القارة. التحالف الأطلسى هو فى نظر البعض ضمان فى حالة إذا ما انهار البناء الأمنى، وفى نظر البعض الآخر هو تهديد لهذا البناء. إن استبعدت إيران أو غيرها من البناء الإقليمى، فأنت تكون بالفعل بصدد تحالف عسكرى. أول تساؤل يتبادر إلى الذهن هو وماذا عن اتفاقية الدفاع العربى المشترك لسنة 1951؟ أليست هى بمثابة التحالف العسكرى العربى؟ أم أن هذا كان تحالفا يتحسب لإسرائيل وحدها وهو لا يفيد فى شأن غيرها؟ مما رشح بشأن المؤتمر أن المسئولين عن التحضير له كانا الأمير محمد بن سلمان عن السعودية، وجاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكى ذا الصلة العضوية الوثيقة بإسرائيل. ربما كان فى ذلك تفسير لاعتبار اتفاقية الدفاع المشترك ضمنيا تختص بإسرائيل ولا بد من دفنها. فإن كان المقصود بالتحالف هو إيران، فإن المنهج ومضمونه فاسدان. المنشود فى الخليج هو السلم عبر إرساء أسس التطور السلمى فى المنطقة وليس أمن هؤلاء الأطراف أو أولئك فقط، لأنه لن يتحقق الأمن للبعض من هذه الأطراف دون غيرها. إن انهار السلم، سيتهاوى أمن الجميع.
الموقف المصرى مهم فى هذا الشأن ومصالح مصر هى التى يجب أن تكون المحددة له. هذه المصالح لها دائرتها الوطنية الضيقة ولكن لها أيضا دائرتها الأوسع باعتبار مسئوليتها العربية كأكبر الدول العربية، وهذه وتلك ليست متعارضة. مصلحة مصر فى الخليج ليست مسألة مجاملات بل هى حيوية، وهى مصلحة فى السلم وليس فى أمن أطراف فيه وحدها، وإن كانت بلدانا عربية شقيقة. فى الخليج يعمل أربعة ملايين من المصريين على الأقل، سلامتهم اعتبار أعلى. وهؤلاء الملايين يخففون الضغط على سوق العمل المصرية، ويرفدون الاقتصاد المصرى بمعظم تحويلات العاملين المصريين فى الخارج التى بلغت زهاء 20 مليار دولار فى سنة 2014 ــ 2015 وكانت المصدر الأول للعملة الأجنبية فى السنوات الماضية ومنذ انحسار السياحة عن مصر. أى انهيار للسلم يعرّض سلامة هؤلاء المصريين للخطر، ويهدد النشاط الاقتصادى فى الخليج فيحرم مصر من تحويلات حيوية لاقتصادها، وينذر بعودة الملايين إلى مصر يضيفون إلى الضغوط على سوق العمل ويزيدون المسألة الاجتماعية تفاقما. تحالف عسكرى يمكن أن يخلّ بالسلم والأمن وهو ما يجب تجنبه تماما. حتى إن افترضنا انتصار هذا التحالف فهو لن يحول دون الآثار المدمرة للمواجهة.
على مصر ألا تسلِّم برؤية غيرها للأمن بل عليها أن تحدد هى مفهومها للسلم الذى يجب الترويج له والدفاع عنه. مثل هذا المفهوم والترويج والدفاع سيخلق دورا مجددا لمصر، يليق بها وهى جديرة به، كما سبق ذكر ذلك، وهو دور يعزز قيمة مصر على كل سواحل الخليج، بل وفى النظام الدولى برمته.
يبقى الباب الثالث للتعليق وهو توقيت انعقاد المؤتمر. بعد أربعة شهور من توليه منصبه، الرئيس ترامب فى وضع ضعيف للغاية بل هو رئيس جريح، كما وُصفَ فى بلاده. الأوراق تجمع، وقد يكون بينها أوراقه، ومساعدوه يخضعون للتحقيق فى أمور تكشف على أقل تقدير عن ضعف الدراية بمسئوليات الرئاسة وطريقة ممارستها وحدودها. هل هذا هو الوقت الذى يُستقبلُ فيه الرئيس ترامب فى بلادنا ليعلن هو عن أسس تحالف عربى، كشفت مصادر أمريكية أن الولايات المتحدة لن تشترك فيه، بل ستقوم فقط بدور تنظيمى له وتسانده! الرئيس الأمريكى يرغب بالطبع فى أن يرى ناخبوه أنه يفى بوعوده الانتخابية وأنه يجعل المملكة العربية السعودية تدفع بالفعل مقابل حماية الولايات المتحدة لها، فالقمة الأولى هى الفرصة ليعلن خلالها أو بمناسبتها عن صفقة الأسلحة البالغ قيمتها 100 مليار دولار، المخطط الوصول بها إلى 350 مليار دولار، فضلا عن استثمارات سعودية فى الولايات المتحدة بمائتى مليار دولار أخرى. للقائمين على أمور المملكة العربية السعودية أسبابهم فى ذلك، إلى جانب أسباب ترامب، ولكن ما الداعى لاستدعاء «الدول العربية والإسلامية» إلى الرياض؟ أم أن المقصود هو حشدها لمباركة كل من العلاقات المتجددة بين السعودية والولايات المتحدة، وأسباب القائمين على هذه العلاقات؟
هل يمكن الإعلان عن تحالف عسكرى فى جلسة واحدة تنعقد بعد ظهر اليوم ولن تستغرق غير سويعات قليلة؟ وحتى إن حدث وأعلن عنه فهو لن يقوم. ليس من قبيل المعقول أن ينضم العراق أو إندونيسيا أو ماليزيا أو لبنان أو تونس أو السنغال لمثل هذا التحالف. قيل إن مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن والمملكة العربية السعودية ستكون النواة الأولى للتحالف. مواقف مصر الرسمية من فكرة التحالف مبهمة، ولكنها بدت حتى الآن متحفظةً، وهى خيرا تفعل. على مصر حماية مصالحها بأن تلعب دورا بناءً فى الحفاظ على السلم وإعادة بنائه فى الخليج. من جديد هذا هو الدور الذى يليق بها وليس لعب أى دور ثانٍ.
المؤتمر سيكون تظاهرة. للتظاهرات تكلفتها لمن ينظمها ونفع يعود عليه. ولكنها ليست تظاهرة تخص مصر.
-------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، 21-5-2017.