اهتمت المؤلفات الأجنبية، التي صدرت خلال الربع الأول من هذا العام (2017)، بالأزمات والتحديات التي تواجه النظام الدولي، ونجاح المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي أجريت في الثامن من نوفمبر الماضي (2016)، والتي بحثت أسباب فوزه على عكس التوقعات، وتأثيرات هذا الفوز داخليا وخارجيا. كما اهتم عدد من المؤلفات بقضية الهجرة واللاجئين التي أضحت تتصدر الأجندة الدولية، والتي تزايدت أهميتها بعد الأمرين التنفيذيين للرئيس ترامب بشأنهما، خلال أول شهرين له في البيت الأبيض.
في السطور الآتية، سنركز على قضيتين رئيستين من تلك القضايا التي شغلت المؤلفين الغربيين خلال الأشهر الأولي من هذا العام، هما تحولات النظام الدولي، وقضية الهجرة واللاجئين.
أولا- نظام دولي جديد:
مع بداية العام، صدر كتاب مهم لرئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاش بعنوان "عالم في حالة من الفوضى: السياسة الخارجية الأمريكية وأزمة النظام القديم"(1)، يناقش فيه التحولات التي يمر بها النظام الدولي ومؤسساته التي أسستها الولايات المتحدة الأمريكية، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية (1945). والتحول الحالي الذي يشهده النظام الدولي هو المرحلة الثالثة من تطوره، وفقا للكاتب الأمريكي -ذائع الصيت- فريد زكريا في كتابه "عالم ما بعد أمريكا"(2)، مع انتقال مركز القوة الدولي من الغرب، ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، إلى الشرق "صعود البقية"، ممثلا في الصين وروسيا بصورة رئيسية. ويواجه النظام الدولي الحالي جملة من التحديات والتهديدات الأمنية، مع انتشار الأزمات الإقليمية، وانهيار النظم والتجمعات الإقليمية في أوروبا والشرق الأوسط.
يترجم عنوان الكتاب رؤية "هاس" حول أن النظام الدولي التقليدي (World Order 1.0)، الذي أسس على مفهوم "السيادة" لم يعد فاعلا في ظل حالة الفوضى غير المسبوقة التي تنتابه، وتزايد التهديدات التي تواجه النظام الدولي، التي تتمثل في: انتشار أسلحة الدمار الشامل، وازدياد أزمات اللاجئين والمهاجرين، وانهيار الدول، وعجز النظم الديمقراطية الناشئة بها، خاصة بدول منطقة الشرق الأوسط. يكشف ذلك الأمر عن أن ما يجري في أي دولة لم يعد مقصورا عليها وحدها في إطار الحديث عن تمتع الدول بالسيادة، مما يقود إلى تحول في النظام الدولي لنشهد نظاما جديدا (World Order 2.0) يؤسس، وفقا لـ "هاس"، على "التزام السيادة Sovereign Obligation"، الذي يعني أن الدول ذات السيادة لا تتمتع بالحقوق فقط، ولكن بالتزامات تجاه الآخرين أيضا.
ولتحديد كيفية مواجهة حالتي التصدع والانهيار اللتين تكتنفان النظام الدولي القديم، يدعو "هاس" لضرورة تحديد مناطق وبؤر الصراع، وعدم الاستقرار، والتي أجملها في ثلاث مناطق رئيسية، أولاها: منطقة الشرق الأوسط التي تتصدر بؤر عدم الاستقرار العالمي، وتفكك الدول ذات السيادة بها، نتيجة ما يعتريها من حروب أهلية، وحروب بالوكالة. ثانيتها: الدول الأوروبية، وبشكل أكثر تحديدا الحدود الأوروبية التي أصبحت مهددة في ظل الأزمة الأوكرانية الحالية، والرغبة الروسية في استعادة إرث الاتحاد السوفيتي السابق على أرض الواقع. ثالثتها وأخيرا: شرق وجنوب آسيا، حيث تتعرض تلك المنطقة للتهديدات مع صعود الصين، وطموحاتها الاستراتيجية والبحرية.
يشير "هاس" في مؤلفه إلى أن التحديات الناشئة بتلك المناطق ليست هي فقط التحديات التي تواجه النظام الدولي، بل يضاف إليها بعض الاقترابات الخاطئة في تفسير العلاقات الدولية، ومنها التقدم الصيني، مقابل التراجع الأمريكي، والذي يبالغ في الضعف الأمريكي، مقابل تعظيم الصعود الصيني، على الرغم من المشكلات التي تواجهه، مثل بطء معدلات النمو الاقتصادي، والفساد، والصراعات الحدودية.
يري "هاس"-مثل كثير من الكتاب والمحللين الأمريكيين- أنه رغم تراجع الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، لا توجد قوة دولية تستطيع أن تخلفها في قيادته، وهو الأمر الذي يفرض أن تتعاون القوي الدولية الصاعدة مع الولايات المتحدة في مواجهة القوي الفوضوية الناشئة من غير الفاعلين من الدول Non-State Actors.
وعلى الرغم من مركزية مفهوم "التزام السيادة" في النظام الدولي الجديد (World Order 2.0)، فإن "هاس" يشير إلى أن ترسيخه قد يستغرق عقودا من المشاورات والمفاوضات، ويؤكد أن الالتزام به قد يكون طوعيا، وليس مفروضا من قوي فوقية. ويري أن الممارسة الواقعية ستكشف عن صعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن التزامات الدول السيادية المحددة، وكيف يجب تطبيقها.
ثانيا- أزمة اللاجئين وغياب المسئولية الدولية:
مكتبة---داخلي-داخلي
مع بداية هذا العام، ظهر كتابان يناقشان قضية الهجرة التي أصبحت تتقدم الأجندة الدولية، لاسيما مع ارتفاع أعداد الهاربين من الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، عقب اندلاع موجة الثورات العربية في عام .2011 ففي كتابه المعنون "الأوديسا الجديدة: قصة أزمة لاجئي القرن الحادي والعشرين"(3)، يتناول باتريك كينجسلي أزمة اللاجئين، كإحدى الأزمات الدولية الحالية الكبرى، ملقيا الضوء على استمرار الأشخاص البائسين في المخاطرة بأرواحهم للهروب من الأنظمة المستبدة، في ظل غياب دور للمجتمع الدولي. ويلفت المؤلف إلى وجود إحصاءات تكشف عن تنامي أزمة اللاجئين، بحيث أصبحت المشكلة، التي كانت تواجه غرب أوروبا فحسب، تمثل تحديا يواجه شرق أوروبا أيضا.
يركز الكتاب على أن قضية الهجرة أدت إلى انقسام الاتحاد الأوروبي، وتهديد قيمه الأساسية. فمع ازدياد عدد اللاجئين إلى الدول الأوروبية، شرعت تلك الدول في تشييد سياج على طول حدودها لمواجهة تدفق اللاجئين، وبعضها هدد بإغلاق الحدود تماما، مما عرض إحدى القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي للخطر، والتي تتمثل في حرية الحركة بين الدول الأوروبية. كما خلقت تلك الأزمة انقساما بين دول الاتحاد الأوروبي لتباين مواقفهما تجاه استقبال اللاجئين الفارين من الحروب الأهلية بأوطانهم.
وعن موقف الولايات المتحدة من أزمة الهجرة واللاجئين، توقع المؤلف أن يزداد الموقف الأمريكي سوءا بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسة الأمريكية. وبالفعل، أصدر الرئيس أمرين تنفيذيين بمنع دخول اللاجئين ومواطني دول ذات أغلبية إسلامية إلى الأراضي الأمريكية، مع التعهد ببناء جدار على طول الحدود الأمريكية مع المكسيك. ولهذا، يري المؤلف أن فشل الولايات المتحدة في استقبال مزيد من اللاجئين أسهم في تفاقم الأزمة.
يخلص كينجسلي في مؤلفه إلى أن سبب أزمة اللاجئين لا يرجع إلى اللاجئين أنفسهم، وإنما إلى استجابة المجتمع الدولي، وردود الفعل تجاهها، وإلى عدم وجود حل سهل للأزمة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه لا يمكن تجنبها، ولكن يمكن تخفيفها.
وفي رصد لأزمة اللاجئين السوريين، وغرق المئات منهم، إثر محاولاتهم للهروب من ويلات الحرب الأهلية في بلادهم، بحثا عن حياة أفضل في الدول الغربية، وتأزم أوضاعهم، مع رفض بعض الدول لاستضافتهم، خوفا من أن تكون لهم صلة بالتنظيمات الإرهابية التي تنشط في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يأتي كتاب ميليسا فليمنج، المتحدثة باسم المفوضية العليا لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة، بعنوان "الأمل أقوي من البحر: قصة لا تصدق لأحد اللاجئين عن الحب، الضياع والبقاء على قيد الحياة"(4).
تقدم فليمنج في مؤلفها صورة لأزمة اللاجئين السوريين، من خلال تناول قصة فتاة سورية تدعي دعاء الزامل، ورحلة هجرتها من مدينة درعا إلى مصر، ومحاولاتها للهروب من الأخيرة، بحثا عن حياة أفضل في أوروبا، عبر مخاطر الهجرة غير الشرعية.
وفي كتابها، تنقل المؤلفة شهادة دعاء عن المظاهرات السلمية في الشوارع السورية، وتعامل القوات الحكومية معها بالقوة، حيث ألقت القنابل المسيلة للدموع، وأطلقت الرصاص على المتظاهرين، مما دفع ملايين السوريين إلى ترك أراضيهم، حفاظا على حياتهم، والهجرة إلى دول الجوار، والدول الأوروبية، التي كانت رحلة ليست بالسهلة، حسب شهادة دعاء، لأنها تتطلب قدرا كبيرا من الأموال للرسوم، والرشاوي، والأوراق، وكذلك التنقلات، كما أنها محفوفة بالمخاطر بالهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية في قوارب الموت.
وفي هذا السياق، تؤكد فليمنج أن هؤلاء اللاجئين، الذين يخوضون تجربة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا في قوارب صيد متهالكة، ومكتظة بالأعداد، تفوق قدرة القارب، فضلا عن خطر تعرضها للقرصنة في عرض البحر، يدركون جيدا احتمالية عدم قدرتهم على عبور البحر أحياء، لكن يأسهم يدفعهم لقبول تلك المخاطرة.
الهوامش:
1- Richard N. Haass, "A World in Disarray: American Foreign Policy and the Crisis of the Old Order", (New York: Penguin Press, 2017).
2- Fareed Zakaria, "The Post-American World", (New York: W. W. Norton & Company, 2008).
3- Patrick Kingsley, "The New Odyssey: The Story of the Twenty-First Century Refugee Crisis", (New York: Liveright Publishing Corporation, 2017).
4- Melissa Fleming, "A Hope More Powerful Than the Sea: One Refugee's Incredible Story of Love, Loss, and Survival", (New York: Flatiron Books, 2017).