شهد العقدان الأخيران سباقا محموما بين بعض القوي الإقليمية في مناطق العالم المختلفة لتعظيم الاستفادة من الفضاء السيبراني (Cyberspace)، إذ عدت هذه الدول القدرات السيبرانية (Cyber Capabilities) وسيلة لبسط النفوذ إقليميا، وتحقيق مكاسب استراتيجية، وسياسية، ومالية، لم تكن لتحققها عبر الوسائل العسكرية التقليدية.
يدعم هذه الرؤية ملمحان، أولهما يخص الإمكانات الفائقة للقدرات السيبرانية في تشكيل تهديدات صريحة للخصوم. وهي تهديدات تتنوع ما بين شن حملات دعاية مغرضة، مرورا بالتجسس السيبراني، واستخدام القدرات التكنولوجية في أعمال إرهابية، والتهديدات المسلحة غير المباشرة، وصولا إلي التهديدات العسكرية الصريحة، حسبما عددت في عام 2010 ورقة بحثية مرجعية حول "الفضاء السيبراني"، أعدها مركز الدراسات البريطاني تشاتام هاوس (Chatham House).
أما الملمح الآخر، فيشير إلي أن امتلاك "القدرات السيبرانية" لم يعد حكرا علي فاعل بعينه. فقد أصبح في مقدور الدول الصغيرة والمتوسطة، والفاعلين من غير الدول كذلك (Non-State Actors)، مهما صغر حجمهم، وتواضعت إمكانياتهم،
الاستفادة من القدرات السيبرانية، بما فيها تطوير أسلحة رقمية، وتهديد الخصوم بها. وفي الوقت الحالي، تتسع باطراد قائمة الدول ذات القدرات السيبرانية المتطورة. فلم تعد القائمة تقتصر علي القوي السيبرانية العظمي (Cyber Superpower): الولايات المتحدة، والصين، وبريطانيا، وروسيا، علاوة علي إسرائيل. إذ ظهرت في أقاليم مختلفة قوي سيبرانية يعتد بها، كاستراليا، والهند، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية في آسيا، والبرازيل، والمكسيك، والأرجنتين في أمريكا الجنوبية والوسطي. (للمزيد طالع المجلة)