مع انطلاقة ثورة 17 فبراير 2011 في ليبيا، كانت الظروف مهيأة للبلاد لتحقيق نقلة نوعية علي طريق بناء دولة حديثة عصرية، خاصة أنه كان ينظر إلي ليبيا علي أنها تتمتع بميزة نسبية، مقارنة ببقية دول ما يعرف بـ "الربيع العربي"(تونس، ومصر، واليمن، وسوريا)، بعدّها دولة نفطية ثرية، وتمتلك احتياطيات مالية ضخمة.
إلا أن الواقع أثبت أن عملية إعادة بناء الدولة الليبية تواجه صعوبات جمة، بفعل ضعف الخبرة التراكمية لبناء الدولة، وحالة الفوضي التي تضرب البلاد، منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وتزايد حجم التأثير الخارجي، وعلاقات التحالف المتنازعة التي يقيمها الفاعلون المحليون مع شركاء إقليميين ودوليين. كرس كل ما سبق لحالة استقطاب حادة أفضت إلي تفريغ أي مبادرات لإعادة بناء الدولة من مضمونها. ورغم مرور أكثر من ست سنوات، لم ينجح الليبيون حتي الآن في صياغة نظام حكم انتقالي واضح يدير المرحلة الانتقالية، ويساعد في إعادة بناء الدولة، وسط خلافات عميقة حول شرعية المؤسسات السياسية الانتقالية، ودور القوي الأمنية الرسمية، وآليات تشكيلها، فضلا عن طريقة توزيع الثروة والسلطة في البلاد. ولم تركز النخبة المحلية الجديدة، التي تصدرت المشهد عقب سقوط نظام القذافي، علي محاولة بناء الدولة، وتقديم رؤية وطنية لمعالجة الصراع الاجتماعي الممتد بقدر تركيزها علي الاستحواذ، وبناء سلطتها الخاصة. وباتت الحالة الليبية مليئة بالمتناقضات، في ظل الانقسام المجتمعي، وخلفياته السياسية والعسكرية. وازدادت مؤشرات فشل الدولة التي لم يكتمل بناؤها منذ عهد الاستقلال مطلع خمسينيات القرن الماضي.
تحاول هذه الورقة استعراض عوامل فشل الدولة في ليبيا، وأفق إعادة بنائها، وذلك من خلال محاولة توضيح أبرز عوامل الهشاشة الهيكلية في بنية الدولة الليبية، وبيان مدي ارتباطها بمسار الإدارة السياسية لما بعد الإطاحة بنظام القذافي، أو بعوامل هيكلية أكثر عمقا في البعد الزمني، والبنية المجتمعية. (للمزيد طالع المجلة)