أضحي الهاجس الانفصالي يشكل محور ارتكاز في تصاعد التيارات الراديكالية المحافظة في أوروبا، بسبب تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية، وما شكلته من ثقل أخلاقي وإنساني علي أوروبا، فضلا عن تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، والخوف علي الهوية الأوروبية. وينصب التركيز هنا علي توضيح أسباب تنامي النزاعات الانفصالية التي تستغلها قوي اليمين، والأسباب التي عمقت من هذه الرؤي، متمثلة في الخروج البريطاني، وأزمات المهاجرين.
أولا- أوروبا ومسألة الانكفاء والانفصال:
تنامت النزعات الانكفائية حول الهويات الضيقة الداخلية بعيدا عن الفضاء الأوروبي، وأضحت النتائج السياسية لهذا المنحي واضحة للغاية. إذ يشجع التباين المتزايد بين مستوي الحياة في بلدان الاتحاد الأوروبي علي تصاعد شعور معاد لأوروبا. فإذا كان الاتحاد الأوروبي لا يمسك بالسياسات الاجتماعية، ولا بسياسات إعادة التوزيع في الدول الأعضاء، فماذا يا تري يكون الدور الذي يمكن أن يلعبه في تقليص التفاوتات بين البلدان الأعضاء؟ وعلي الرغم من أن استراتيجية أوروبا تهدف إلي مكافحة الإقصاء والاستبعاد الاجتماعي، فإن ميثاق الاستقرار يزيد أكثر فأكثر في تقليص هوامش مناورة السياسات الاقتصادية للدول، في حين أن الاتحاد لا يتمكن من إحلال سياسات تضامن مشتركة مكانها مثل توفير حد أدني من الدخل للمواطنة الأوروبية.
وبعد خمسين سنة من مسيرة الإنجازات التي انتهت إلي صيغة الاتحاد الأوروبي، من إقامة منطقة حرة للتجارة، إلي إقرار العملة الموحدة، والعديد من التشريعات المشتركة، لا يزال الاتحاد بعيدا عن بلورة "الفكرة الأوروبية" علي نحو واضح، أو حتي صياغة تصور مفهوم لمصير مشترك. وربما يكون ذلك متوقعا بالنظر إلي الانقسام الثقافي داخل الاتحاد، خاصة الاختلاف اللغوي الذي يعدّه البعض نوعا من الثراء المميز للاتحاد الأوروبي. (للمزيد طالع المجلة)