منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع تقدم عملية بناء الاتحاد الأوروبي، منذ أوائل عقد الخمسينيات من القرن الماضي، ومع صعود الولايات المتحدة الأمريكية لقمة العالم الغربي، وانتهاء واختفاء النازية في ألمانيا، والتطرف الحاد في إيطاليا -مع كل ذلك وبسببه، ظهرت أوروبا جديدة لا تعرف التطرف، ولا حتي التشدد، بل أصبحت هناك خريطة سياسية جديدة في أوروبا تقوم علي اللاتطرف، بل يمكن القول إنها لا تعرف التشدد الأيديولوجي.
ولكن سرعان ما بدأت تلك الخريطة الجديدة في التغير، وفتحت صفحات جديدة من أيديولوجيات التطرف والتشدد، ولكن ليس علي أساس وطني، أو قومي، وإنما علي أساس عالمي، وتمثل ذلك بالأساس في المواجهة السياسية والأيديولوجية الحادة فيما بين الشيوعية والرأسمالية، وهي المواجهة التي عبر عنها الصراع بين حلفي شمال الأطلنطي (الناتو)، ووارسو، خاصة منذ نشأة هذا الأخير في عام 1955، وحتي عام 1989، عندما انهار حائط برلين، ثم عام 1990 الذي انهار فيه حلف وارسو، ثم، وهذا هو الأهم، عام 1991 عندما انهار الاتحاد السوفيتي السابق، وكانت تلك هي نهاية تلك المرحلة من التطرف الأيديولوجي غير المسبوق.
وخلال تلك المرحلة الممتدة من عام 1945 إلي ديسمبر من عام 1991، كانت ثمة مواجهة سياسية أيديولوجية شاملة بين غرب أوروبا وشرقها، وبين "عالم الغرب الرأسمالي" وعالم الشرق الشيوعي أو الاشتراكي، وحدث ذلك حتي انهيار الكيان السوفيتي الذي كان يقود شرق أوروبا. وخلال تلك المرحلة، لم يكن هناك يمين متطرف في أوروبا، ولكنه كان يمينا أيديولوجيا تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن قائما علي أحزاب سياسية يمينية متطرفة كتلك التي نشاهدها الآن، ونحاول دراستها في هذه الورقة (للمزيد طالع المجلة).