يطرح نجاح الجولة الأولى من مفاوضات سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية المكلف من قبل الملك محمد السادس، في السابع عشر من مارس 2017، خلفا لـعبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تساؤلات رئيسية، ربما يأتي في مقدمتها التساؤل عن مدى قدرة العثماني على تجاوز التحديات التي أفشلت سابقه في تشكيل حكومته على مدى خمسة أشهر، منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية في السابع من أكتوبر الماضي؟
ثم ما هي السيناريوهات المحتملة للجولة الثانية من مفاوضات العثماني، التي يفترض أن تنتهي في الأول من أبريل 2017، وفقا لمدة الخمسة عشر يوما المحددة له من قبل الملك للإعلان عن حكومته؟
ومن المعلوم أن الدستور المغربي يلزم بتشكيل الحكومة بعدد مقاعد لا يقل عن 198 مقعدا من إجمالي395 (عدد مقاعد مجلس النواب)، حصل منها حزب العدالة والتنمية على 125مقعدا في الانتخابات، بما يجعله مجبرا للحصول على الأغلبية الدخول في تحالفات مع أحزاب أخرى ممثلة في البرلمان، وهو الأمر الذي ما تزال تسيطر عليه خلافات أسهمت في إفشال تشكيل الحكومة السابقة.
لماذا فشل بن كيران؟
ثمة تحديات عديدة أفشلت جهود بن كيران في تشكيل الحكومة، منها ما ارتبط بنتائج الانتخابات البرلمانية، ومنها ما تشكل فى أثناء عمليه التفاوض. ومن أبرز هذه التحديات:
أولا: تقارب عدد مقاعد الأحزاب الممثلة في مجلس النواب المغربي، ويشمل ذلك الحزبين المتنافسين الرئيسيين أي العدالة والتنمية، وهو حزب إسلامي، والأصالة والمعاصرة، وهو حزب قريب من القصر الملكي، كما يشمل أيضا مجموعة الأحزاب التي تحركها التحالفات. فقلة فارق المقاعد بين "العدالة والتنمية"، و"الأصالة والمعاصرة" (الحاصل على 102 مقعد)، وإعلان الأخير عدم سعيه للدخول في أية ائتلافات حكومية واستمراره في جانب المعارضة، وضعا بن كيران في مأزق، تمثل في حدوث تحالفات بين أحزاب استفادت من الاستقطاب الحادث بينهما، وفرضت شروطها، وعطلت إتمام عملية التشكيل.
ثانيا: لم ينص الدستور المغربي صراحة على ما الذي ينبغي أن يتم إجراؤه، حال فشل الحزب الفائز بالأكثرية النيابية في تشكيل الحكومة. فقد نصت المادة "47" من الدستور المغربي على أن يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.
وبالتالي، لم تحدد تلك المادة ما الذي يحدث إذا فشلت عملية تشكيل الحكومة، بل تركت للملك الحق في اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير، والتي منها إعادة الانتخابات البرلمانية، وسحب تشكيل الحكومة من الحزب المكلف.
ثالثا: إصرار التحالف الرباعي الذي تشكل للتفاوض مع بن كيران من أحزاب الاتحاد الدستوري، والتجمع الوطني للأحرار، وحزب الحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي، على شروط، أهمها استبعاد حزب الاستقلال من الحكومة، وتمثيل حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري فيها، حيث كان رفض شروط هذا التحالف -الذي يمثل في البرلمان بـ 103 مقاعد- من قبل الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية سببا رئيسيا في تأزم خروج الحكومة السابقة.
رابعا: القيود الحزبية، التي تمثلت في التزام بن كيران بتعليمات وتوجهات الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بخصوص شكل التفاوض، والأحزاب التي تقتصر عليها المشاركة، وهو ما تمثل بوضوح في موقف نواب برلمان الحزب من مسألة تمثيل حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري. ويظل هذا التحدي قائما أمام العثماني، لأنه قد يلتزم بالخط الذي رسمه أمين عام الحزب بن كيران.
خامسا: عامل الوقت، ويظل هذا التحدي قائما أمام العثماني، بل وحاسما في مسألة بقاء " العدالة والتنمية" في الحكومة من عدمه. حيث إن استهلاك رئيس الحكومة السابق لخمسة أشهر وفشله جعل الملك يحدد 15 يوما للعثماني، قد لا يمكن تجاوزها.
تحركات جديدة:
تحرك العثماني في جولته التشاورية على عكس تحرك بن كيران، ففي حين اتبع الأخير سياسة الإقصاء منذ جولته الأولى، لم يقص العثماني أحدا من الأحزاب من مقابلاته، سوى تكتل فيدرالية اليسار الانتخابي (حزب الطليعة الديمقراطي، والمؤتمر الوطني الاتحادي، والحزب الاشتراكي الموحد) الذي حصل على مقعدين فقط. وصاحب تحركات العثماني حدوث تغير في موقف الأطراف التي تمتلك مفتاح تشكيل الحكومة. ومن أبرز تلك التحركات ما يأتي:
التقارب مع الأحزاب السياسية لتفكيك الجمود، حيث سلك العثماني هذا المسار منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية، حيث استطاع، خلال جولته الأولى من المفاوضات، حلحلة الجمود الذي تركه بن كيران. إذ التقى، بمقر حزب العدالة والتنمية، ثمانية زعماء حزبيين، هم: محند العنصر، الأمين العام للحركة الشعبية، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، ونبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وعزيز أخنوش، أمين عام التجمع الوطني للأحرار، ومحمد ساجد، أمين عام الاتحاد الدستوري، وإلياس العماري، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، ووفدا من حزب الاستقلال الحاصل على 47 مقعدا.
مبادرات معلنة للتوافق عبرت عن كسر حدة التوترات، وخلخلة التحالف الرباعي. وتمثل هذا المسار في إعلان جميع قيادات أحزاب البرلمان، بما فيها المجموعة التي عطلت حكومة بن كيران، بعد لقائها العثماني في 21 مارس 2017، عن مساندتها ودعمها له.
فقد أخذ أمين عام التجمع الوطني للأحرار، وزعيم التحالف الرباعي موقفا منفردا لأول مرة منذ انتهاء الانتخابات في أكتوبر الماضي، مؤكدا في تصريحات صحفية، بعد لقائه العثماني، موافقته على التحالف الحكومي مع العدالة والتنمية. كما أعلن أمين عام حزب الحركة الشعبية، أحد مكونات التحالف، عن دعمه للحكومة الجديدة حتى تخرج بسرعة للنور. وأكد أيضا زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي سبب الخلاف حول تمثيله مأزقا للحكومة السابقة، مساندة حزبه لرئيس الحكومة المكلف، مشيرا إلى أن قرار مشاركته اتخذ من قبل اللجنة الإدارية للحزب.
سيناريوهات محتملة:
تحركات العثماني في الجولة الأولى من مفاوضاته، بالإضافة إلى ردود فعل مجموعة الأحزاب، التي وضعت شروطا تعجيزية لبن كيران حتى ينتهي من حكومته، تبرز سيناريوهين، قد تنتهي بأحدهما الجولة الثانية من مفاوضات العثماني، وهما:
السيناريو الأول: تجاوز تحديات بن كيران، ويعد هذا السيناريو هو الأكثر احتمالا، وذلك لأن العثماني قد يقبل بشروط أحزاب ترغب في التحالف رفضها بن كيران من قبل، تخوفا من بعض أعضاء الأمانة العامة للعدالة والتنمية، الذين قد تتغير مواقفهم، نظرا لخطورة الموقف على مستقبل حزبهم، وإدراك أغلبهم أن هدف الملك من تعيين العثماني كبديل لبن كيران بمنزلة رسالة للجميع، هدفها ضرورة تجاوز الخلافات.
واتضحت حدود التغير في موقف أمانة حزب الأكثرية في البيان الأول له، بعد الجولة الأولى لمفاوضات العثماني، حيث حرص البيان على ضرورة تجسيد التحالف لمواصفات القوة والانسجام، مع مراعاة المقتضيات الدستورية والإرادة الشعبية. ويعد ذلك الأمر تغيرا نوعيا في موقف الحزب من الأحزاب الأخرى.
كما يدعم حدوث هذا السيناريو أيضا، حتى في حالة إصرار الأمانة العامة للعدالة والتنمية على رفض مشاركة الاتحاد الاشتراكي اليساري في الحكومة الجديدة، ظهور بوادر تفكك التحالف الرباعي، الذي قد يكون استنفد أغراضه السياسية المتمثلة في إفشال بن كيران. وما يشير إلى خلخلة هذا التماسك الحزبي التصريحات المنفردة لقيادات تلك الأحزاب حول مشاركتها في الحكومة، وذلك على عكس موقفهم الموحد، فى أثناء مفاوضاتهم مع بن كيران، التي كان يعبر عنها " أخنوش " زعيم التحالف.
وتعد تصريحات إدريس لشكر"بأنه يريد التفاوض باسم حزبه، ولن تنوب عنا أية جهة"، إشارة واضحة برفض تحدث حزب آخر باسمه، وهو ما يعد مؤشرا مهما على أن الاتحاد الاشتراكي قد ينفصل عن التحالف، وأن موقف الأغلبية من مشاركتها في الحكومة لم يعد محددا أساسيا في نجاح العثماني في مهمته من عدمه.
السيناريو الثاني، وهو إمكانية انتهاء الأمر إلى الوقوع في مأزق بن كيران نفسه، ويعد هذا السيناريو الأقل احتمالا، ويشير إلى تجمد المشاورات التي توصل إليها العثماني في جولته الأولى. ويحدث هذا السيناريو، حال إعلان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عن موقفها برفض مشاركة الاتحاد الاشتراكي، وفي الوقت نفسه، يلجأ التجمع الوطني للأحرار، القريب من الأصالة والمعاصرة إلى إعادة دعم تحالفه البرلماني، ويصر على شروطه الأولى نفسها. وهنا، قد لا يتمكن العثماني من تشكيل الحكومة خلال الفترة الممنوحة له من قبل الملك والبالغة 15 يوما، وبالتالي يحل الملك البرلمان، وتجرى انتخابات نيابية جديدة.
في النهاية، يمكن القول: إن فرص العثماني في تجاوز التحديات السابقه تظل ممكنة، خاصة بعد التقاربات والتفاهمات التي وضحت ملامحها بين كل الأحزاب الممثلة في البرلمان.