ارتبط السياق الاجتماعي الدولي الحاضن لبروز أمننة قضية الهجرة بشكل أولي بانهيار الاتحاد السوفيتي، وتفجر الصراعات الهوياتية، الأمر الذي مهد لتجدد الاهتمام بالأبعاد الثقافية والدينية في العلاقات الدولية. ثم انتقل الخطاب المؤمنن للهجرة خطوة أبعد مع وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذ تم الربط بين الهجرات من دول الجنوب، والتهديد الأمني العسكري المباشر، المتمثل في الهجمات الإرهابية علي مختلف العواصم الغربية(1).
ومن بعد ذلك، أخذ خطاب الأمننة دفعة أكبر مع الثورات العربية منذ عام 2011، خاصة مع ارتفاع معدلات الهجرة، واللجوء إلي أوروبا بشكل غير مسبوق، إثر انتشار الصراعات المسلحة، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. ولم يمنع ذلك من استمرار الجدال النظري والتطبيقي حول أمننة أم تفكيك أمننة الهجرة. ولعل هذا الجدال حول الهجرة في العصر الحديث ارتبط أساسا بنشأة الدولة القومية، ذات السيادة علي حدودها الجيوسياسية، كما تبلور في التجربة الحضارية الغربية عموما، والأوروبية بخاصة(2).
ويمكن القول إن الرؤي حول قضية الهجرة، وغيرها من الظواهر الاجتماعية السياسية، تتباين باختلاف المنظورات المكونة للعلوم الاجتماعية المختلفة. فالرؤي التقليدية الوضعية تتمحور في منهاجياتها حول الدولة القومية، كإطار للتفاعلات الداخلية والدولية، بشكل يرجح تطور العلوم الاجتماعية منفصلة عن بعضها. بينما تتبني الاتجاهات النقدية ما بعد الوضعية المداخل المعرفية العابرة للعلوم، والأطر التفاعلية العابرة للقوميات، آخذة في الحسبان التدفق الهائل من الصور، والمعلومات، والمواد الإعلامية المختلفة، والذي تعززه آليات العولمة المتسارعة. وبرغم تعدد التيارات الفكرية المكونة للمنظور النقدي ( النظرية النقدية، ما بعد الحداثة، البنائية الاجتماعية)(3)، فإنها في المجمل ترتبط بنقد المقولات المؤسسة للمنظور التقليدي.