بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي (السابق) في تسعينيات القرن الماضي، فقدت روسيا بوصلتها الأيديولوجية التي كانت عمادا للدولة الأم. وأخذت موسكو تتأرجح بين مسارين: إما التطلع نحو استرجاع موقعها وهيبتها، كما كانت في الماضي، أو التواؤم مع عالم يموج بتغيرات جعلت الجغرافيا السياسية لا تتطابق بالضرورة مع الجغرافيا الطبيعية لخريطة العالم، بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع تمكن الجغرافيا السياسية في حالات كثيرة من تشكيل الجغرافيا الطبيعية علي نحو جديد.
نتيجة هذا السجال، لم تعط روسيا، خاصة في ظل حكم بوتين، اهتماما كافيا لتطوير الأوضاع الاقتصادية الداخلية، أو تحويل روسيا إلي نموذج "ملهم". فكان التركيز علي الخارج، سواء لمواجهة التحديات والتهديدات المتلاحقة، أو لإعادة بناء ترميم السياج الجيواستراتيجي للقوة الروسية. ومارست موسكو هذا التوجه بتحفز، أو ربما اندفاع، فكان تحركها العنيف والصارم في ملف أوكرانيا، تماما كما كان قبله في ملف الشيشان. ثم انتهزت موسكو فرصة عدم الاستقرار في المنطقة العربية إثر تداعيات موجة الانتفاضات الشعبية منذ 2011، لتعيد ترتيب أوراقها في المنطقة، علي نحو تعاوني في حالات، مثل تعزيز التعاون مع سوريا، والتقارب كما مع مصر، وتركيا، وعلي نحو تصارعي في حالات أخري، تجسدها بوضوح المواجهة مع أوروبا والولايات المتحدة. واستفادت موسكو في ذلك من الفراغ الذي تولد عن إعادة ترتيب الولايات المتحدة لأولوياتها في الشرق الأوسط.