عرض: سارة خليل - باحثة في العلوم السياسية
في إطار الاهتمام بدراسة وتحليل أسباب الصعود السريع لتنظيم "داعش"، الذي استغل الأزمة الطائفية في العراق، والأوضاع الأمنية غير المستقرة في المنطقة ليكون محور اهتمام المجتمع الدولي بعد تنفيذه هجمات داخل المنطقة وخارجها، وانتشاره خارج العراق وسوريا، صدر هذا المؤلف الذي يناقش عوامل صعود التنظيم، والمعالم الرئيسية لأيديولوجيته، والخلاف بينه وبين تنظيم "القاعدة"، وتصاعد الأزمة مع "جبهة النصرة"، والاختلاف في المرجعية الفكرية بينهما، بالإضافة إلى تطرقه إلى مستقبل التنظيم، في ظل التحالف الدولي والإقليمي القائم ضده.
عوامل صعود تنظيم "داعش":
أشار المؤلفان إلى أن الصعود السريع للتنظيم في العراق كان محصلة مسار متراكم ومتطور يجمع في طياته عوامل واقعية موضوعية، وإقليمية، وذاتية متعددة. وتتمثل العوامل الواقعية، من وجهة نظر المؤلفين في السياسات الأمريكية بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ودورها في بروز هويات إثنية عرقية، ومكافأة المكون الشيعي الذي يسيطر على 95٪ من الجيش العراقي، والمؤسسات المدنية، ومكافأة الأكراد في الشمال، بينما تم تهميش المكون السني سياسيا واقتصاديا، مما دفع التنظيم ليقدم نفسه كمدافع عن الهوية السنية، بالإضافة إلى السياسات الإقصائية التي انتهجها رئيس الوزراء العراقي آنذاك، نوري المالكي، سواء من خلال تهميش السنة وحرمانهم من تولي المناصب السياسية، أو قمع الاحتجاجات السنية السلمية في العديد من المناطق، مما أسهم في بروز التنظيم بهذا الشكل القوي على الساحة الإقليمية.
وعن العوامل الإقليمية التي أسهمت في صعود تنظيم "داعش"، ذكر المؤلفان انتشار النزعة الطائفية في المنطقة، نتيجة تنامي النفوذ الإقليمي الإيراني، وبذلك استغل التنظيم أعمال العنف المتورط فيها بأنها رد فعل على إقصاء المجتمع السني، مما يعني أن التنظيم ركز في صعوده على ما أطلق عليه المؤلفان "التلاعب الهوياتي"، والفراغ السياسي السني، وانفجار الصراعات الداخلية القائمة على أسس طائفية، ودينية، وعرقية في كل من العراق وسوريا، بالإضافة إلى السياسات السلطوية للأنظمة العربية، وحالة الجمود السياسي في الدول العربية.
وتكمن العوامل الذاتية لصعود التنظيم في قدرات التنظيم المالية، والتنظيمية، والتكنولوجية الهائلة التي ساعدته في نشر أفكاره المتشددة في أنحاء العالم، وجذب المؤمنين بأفكاره إلى صفوفه عبر شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي.
أسباب الخلاف بين "القاعدة" و"داعش":
اختلف الكثيرون حول تفسير أسباب الخلاف بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش". فهناك من يري أن هذا الخلاف مرجعه إلى صراع على النفوذ والقوة بين التنظيمين، في حين يري آخرون أنه راجع بصورة رئيسية إلى الاختلافات الأيديولوجية والسياسية بينهما. لكن المؤلفان يريان أن سبب الخلاف بين التنظيمين يرجع إلى سببين رئيسيين. السبب الأول: اختلاف رؤيتيهما القتاليتين. فبينما يركز تنظيم "القاعدة" على الجانب العالمي، والصدام مع الولايات المتحدة الأمريكية (كعدو بعيد)، فإن تنظيم "داعش" في العراق تقوم رؤيته على قتال الشيعة (كعدو قريب) بوصفهم عدوا وخطرا أكبر من التهديد الأمريكي، حيث تبني التنظيم في بداية تأسيسه قتال الأمريكيين والشيعة في العراق معا.
ويرجع السبب الآخر للخلاف بين التنظيمين إلى الاختلاف الشديد بينهما حول موضوع إعلان "دولة الخلافة الإسلامية"، لأنه مخالف لرؤية تنظيم "القاعدة" لمفهوم الصراع وأولوياته. فالتنظيم يحصر جهوده على مواجهة المشروع الأمريكي دون إقامة سلطة سياسية، أو الاستيلاء على أراض، بينما يهدف تنظيم "داعش" لإقامة مظلة سياسية للمجتمع السني تحت رايته في مواجهة النظام السياسي العراقي الجديد، مما يعني أن جوهر الخلاف بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" يدور بالأساس حول الأولويات الاستراتيجية للسلفية الجهادية.
الخلاف مع "جبهة النصرة":
تنظيم-الدولة---داخلي - داخلي
أرجع المؤلفان سبب تأسيس جبهة النصرة إلى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتفجير الأزمة الطائفية بين الشيعة والسنة، مما عمل على تنشيط السلفية الجهادية في سوريا، بالإضافة إلى السياسات القمعية للنظام السوري ضد الاحتجاجات السلمية في البلاد، والتي أدت إلى حدوث انشقاقات في صفوف الجيش السوري. وقد أسس الجبهة أبو محمد الجولاني بتنسيق مع تنظيم "القاعدة"، وبإشراف من تنظيم "داعش"، مما يشير إلى الطبيعة الملتبسة لنشأة الجبهة على مستوي الهوية والأيديولوجيا، من خلال الارتباط بمرجعيتين مختلفتين.
ولهذا، هناك خلاف حول المرجعية الفكرية بين "جبهة النصرة"، وتنظيم "داعش". فبينما تستند مرجعية تنظيم "داعش" في العراق إلى أطروحات أبي عبد الله المهاجر، التي تركز على فكرة مركزية التنظيم، والتشدد الأيديولوجي والهوياتي السني، فقد استند الجولاني إلى أطروحات أبي مصعب السوري، الذي يتبني فكرة لامركزية التنظيم، كما أوضح المؤلفان.
وللتدليل على مدي الخلاف بين كلا التنظيمين، ألقي الكتاب الضوء على محاولة أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" في العراق في أبريل 2013 الإعلان عن ضم "جبهة النصرة" في سوريا إلى تنظيمه ليصبح "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ولكن الجولاني، زعيم تلك الجبهة، رفض الامتثال للدمج، والانضمام لتنظيم "داعش"، معلنا ارتباطه بتنظيم "القاعدة" بحسبانه التنظيم الأم، قبل أن يفك هذا الارتباط أخيرا بعد إصدار الكتاب.
صراع التيار السلفي الجهادي:
ألمح المؤلفان إلى أن الخلافات بين تنظيمي "داعش" و"القاعدة" لها جذور ممتدة تعود إلى مرحلة أبي مصعب الزرقاوي، وتطورت في المراحل التالية بصورة تدريجية، ولكنها ظلت غير معلنة، إلى أن انفجرت مع رفض الجولاني دمج "جبهة النصرة" إلى تنظيم "داعش"، وإعلان البيعة لزعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري.
ودرءا لتلك الخلافات، حاول الظواهري القضاء على تلك الخلافات، والوساطة بين الطرفين، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وتحولت إلى سجالات بين تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، مما أدى إلى انفجار الصراع المسلح بين فصائل السلفية الجهادية، ودفع الظواهري إلى إعلان انفصال تنظيم "داعش" عن "القاعدة". ومن بعدها، قام الأول بالهجوم على مناطق نفوذ "جبهة النصرة" في فبراير.2014 وعلى الرغم من الخلافات القائمة بين تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، فإنهما لا يزالان يشتركان في عدد من القضايا الأساسية لانتمائهما إلى السلفية الجهادية، كما ذكر المؤلفان.
وانطلاقا مما سبق، خلص المؤلفان إلى أن صورة الانقسام داخل الأوساط السلفية الجهادية على المستويين العالمي والعربي يشوبها قدر من الغموض. فبينما هناك مجموعات أعلنت تأييدها لتنظيم "داعش"، فإنه لا تزال هناك مجموعات مستمرة في علاقاتها مع تنظيم "القاعدة". وبذلك، أصبح تنظيم "داعش" يقدم نموذجا واقعيا منافسا لتنظيم "القاعدة" يسعي إلى الحصول على شرعية تمثيل التيار السلفي الجهادي.
مستقبل تنظيم "داعش":
ذكر المؤلفان أنه لا يمكن عدّ صعود تنظيم "داعش" حدثا طارئا، وإنما نتيجة توافر عوامل متعددة. وقد ربط الكتاب مستقبل التنظيم بعاملين أساسيين، أولهما تحقيق التحالف الدولي والإقليمي ضد التنظيم نجاحا فعليا في القضاء عليه، وذلك بفك الاندماج القائم بين التنظيم، والمجتمع السني، ومحاولة إقناع الأخير بالانقلاب مرة أخري على التنظيم. ثانيهما: مدي استقرار الأوضاع في المنطقة، حيث تشهد معظم دول المنطقة انهيارا في بنيتها التحتية ومنظومتها السياسية.
وخلص المؤلفان إلى أنه على الرغم مما أظهره تنظيم "داعش" من عمل مؤسسي وتنظيمي متطور، نتيجة إمكاناته الاقتصادية والتكنولوجية الهائلة، فإنه يواجه تحديات فعلية في حال تعرضه لضربات عسكرية وأمنية ضخمة، أو في حال نجاح الضغوط الأمريكية في حصاره اقتصاديا وجغرافيا، واستنزاف قدراته.