قوض صعود الفاعلين العنيفين من غير الدول الكثير من الفرضيات التقليدية التي قامت عليها الدولة القومية الحديثة، والتي ظلت لعقود تمتلك -وفقا لماكس فيبر- حق احتكار استخدام العنف، والسيطرة الكاملة علي جميع مكونات الإقليم الخاضع لها. فقد ظهرت التنظيمات المسلحة كمنازع للدولة علي اختصاصاتها ومساحة سيادتها، فضلا عما أفضت إليه الصراعات الداخلية التي اندلعت في العديد من الدول، خلال العقود الماضية، من سياقات محفزة لتعاظم نفوذ تلك التنظيمات الطامحة إلي إحداث تغيرات جذرية في تفاعلات السلطة، وأنماط تخصيص الموارد داخل الدولة.
تمثل المعطيات السابقة، وديناميات الصراع المتصلة بها، المدخل الأساسي لفهم المسارات التي مرت بها الكثير من التجارب الدولية في مرحلة ما بعد الصراعات، حينما يخفق أي طرف في حسم الصراع لمصلحته. إذ إن تأسيس أطر متماسكة للتعايش المجتمعي، وبناء السلام الدائم، الذي يستهدف بشكل أو بآخر استعادة بعض أشكال السلطة الشرعية، يعني التعاطي مع إشكالية التنظيمات المسلحة كأحد المحددات الجوهرية في التكريس لسلام أكثر استقرارا، وتجنب احتمالات اندلاع العنف مجددا.