يكشف تصاعد العنف داخل المجتمع الأمريكي، بمسبباته المختلفة، إضافة إلي عدم القدرة علي التعافي الاقتصادي التام، عن أن البيئة الداخلية في الولايات المتحدة تشهد تحولات تنبئ بأنها علي أعتاب لحظة تحد فارقة جديدة في تاريخها.
يتمثل أبرز التحديات الراهنة التي يواجهها المجتمع الأمريكي، من ناحية، في تصاعد حدة الانقسامات العرقية، والإثنية، والاستقطاب السياسي، والأيديولوجي بشكل لم يحدث منذ ستينيات القرن العشرين علي الأقل. ويهدد هذا الانقسام المتزايد بتقويض صورة الاستقرار المجتمعي التي تميزت بها الولايات المتحدة في ظل أطروحات بوتقة الصهر Melting Bot التي يندمج فيها مختلف الإثنيات والعرقيات. ومن ناحية أخري، أدي التفاوت في توزيع الدخول والثروات، علي مدي العقود الماضية، في ظل عدد من الأزمات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي - والتي تفجرت مع الأزمة المالية في 2007، وتفاقمت في ظل إدارة أوباما - إلي انقسامات طبقية، تعكس أبعادا من التمييز العرقي والإثني، وتردي أوضاع الطبقات الوسطي والدنيا لمصلحة أصحاب الثروة.
سيكون لهذه التغيرات، وما نتج عنها من تحول في هياكل القوة علي المستوي الداخلي تأثير ليس فقط في صعيد السياسة العامة داخليا، لكن كذلك في تحديد القضايا محل الاهتمام في صياغة السياسة الخارجية، وماهية المصالح الأمريكية عبر العالم، وما يمكن أن تتم تعبئته من موارد لتحقيقها، بغض النظر عن الانتماء الحزبي أو الأيديولوجي للرئيس القادم. وعليه، تسعي هذه الورقة إلي البحث في جميع أبعاد التغير في بنية المجتمع الأمريكي، وهيكل الاقتصاد القومي، طيلة عهد أوباما، لتحديد المآلات المحتملة للسياسة الخارجية الأمريكية في الفترة المقبلة.