تتردد أنباء متواترة عن اتصالات وتحركات تقوم بها قيادات من جنوب اليمن تمهيداً لإعلان كيان جنوبي سياسي. الكيان المزمع يستند إلى إرث جمهورية جنوب اليمن المستقلة التي ظلت قائمة ومعترفاً بها دولياً على مدى ربع قرن (1969 / 1994) إلى حين الإعلان عن توحيد شطري اليمن، وبالتالي فإن تحرك هذه القيادات لا يأتي من فراغ. وواقع الأمر أن ائتلاف الحراك الجنوبي كان يسعى بصورة مضمرة ومعلنة إلى تجديد الاستقلال أو الانفصال عن الشطر الجنوبي، وقد ارتفعت أصوات بهذا الخصوص في الأسابيع الأولى من الثورة اليمنية، ثورة 20 فبراير/ شباط 2011، وهي الثورة التي انتهت بالمبادرة الخليجية وتنحي علي عبدالله صالح واختيار الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي نائب صالح رئيساً . الحراك الجنوبي شارك في الثورة اليمنية، وتحفّظ بعدئذ على انقلاب الحوثيين، وإن كان هذا الحراك ليس جسماً حزبياً متماسكاً موحد الرأي فهناك تيارات داخله، حتى إن الحزب الاشتراكي (الحزب الذي كان يحكم جنوب اليمن) لا يخلو بدوره من تيارات، ومصدر ذلك أن قياداته التاريخية ظلت في المنفى أمثال علي سالم البيض، وعلي ناصر محمد، وحيدر أبي بكر العطاس.
تجدد النزوع إلى وضع شبه مستقل، يكتسب أهمية خاصة في هذه الظروف، كونه يأتي في سياق الحرب الدائرة بين الانقلابيين والشرعية، وكذلك في سياق المواجهات مع تنظيم القاعدة الذي ما زال يحتفظ بنفوذ له في جنوب اليمن. ومن الملاحظ أن محافظ عدن عيدروس الزبيدي هو من بادر مؤخراً لإطلاق الدعوة إلى إقامة كيان جنوبي سياسي. يُذكر هنا أن الحكومة اليمنية الشرعية تتخذ من عدن مقراً لها بعدما تم دحر الانقلابيين منها. وهو ما يدلل على الحاجة إلى ألّا تكون الدعوة الجديدة في هذه الظروف، عامل إرباك للوضع السياسي في عدن ومحافظتها ولعموم جنوب اليمن.
ورغم أن محافظات الجنوب تشهد هدوءاً نسبياً مقارنة بالشمال، فإن التحديات ما زالت قائمة في الشطر الجنوبي من أجل أن تبسط الحكومة المركزية ولايتها وسلطتها، ومن أجل تضافر الجهود لمكافحة تنظيم القاعدة، وفي سبيل توفير الخدمات العامة والأساسية للجمهور.
إن من حق أبناء جنوب اليمن تقرير مصيرهم بحرية، بعدما تذوقوا الثمار المرة لسياسة العهد الوحدوي السابق في الاستئثار بالامتيازات في محافظاتهم، وتبخيس الجنوبيين حقوقهم في أرضهم ومواردهم وثرواتهم، والمأمول في هذه الظروف ألّا تتصادم الدعوات لكيان جنوبي سياسي مع أولوية دعم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لدحر الانقلابيين، أو أن تشكل هذه الدعوة ثغرة يتسلل منها أنصار القاعدة، وغيرهم ممن يسعون إلى إقامة مناطق نفوذ لهم ويحتكمون إلى الأمن الذاتي بديلاً عن سلطة شرعية مركزية تحكم بمقتضى القانون.
وفي جميع الأحوال فإن المحذور هو إشاعة أجواء من البلبلة والانقسام حول التوجهات المعلنة للحراك الجنوبي. فهذا التوجه يستحق بناء الثقة وتدعيمها مع الحكومة الشرعية في اليمن ومع أوسع شرائح المجتمع اليمني، وأن يعمد قادة الحراك ومن يناصرهم من قوى سياسية وتيارات اجتماعية خلال ذلك لتأكيد أن الروابط العميقة التي تجمع سائر اليمنيين سوف تظل مُصانة وموضع رعاية، وأن التكامل وأوثق علاقات التعاون سوف تتواصل مع الحكم الشرعي في الشمال.
تبقى الإشارة في هذا المعرض إلى أن أصحاب هذا التوجه الجديد وفي طليعتهم الزعماء التاريخيون لجمهورية جنوب اليمن السابقة، قد تجنّبوا حتى الآن إطلاق دعوات استقلالية، وحسناً فعلوا، إذ إن الاضطراب الكبير الذي ما زال اليمن يشهده وينوء به، لا يسمح بتشتيت الجهود وخلط الأولويات. والبادي أن قيادات الجنوب تسعى لإقامة إدارة ذاتية تتولى مقاليد الحكم الداخلي في الشطر الجنوبي، وإنشاء مؤسسات خاصة بها بغير انفصال عن صنعاء والشمال، وبالتنسيق مع القيادة الشرعية مما يحفظ وحدة اليمن من جهة،.
-----------------
* نقلا عن دار الخليج، 19-9-2016