تستعد الصين لاستقبال قادة أكبر عشرين دولة في العالم، وسط تحديات جمة على المستوى الدولي، حيث تتهيأ هانغتشو مدينة الشاي، أو كما يحب الصينيون تسميتها «جنة الأرض»، لاستقبال القمة ال11 لمجموعة العشرين مطلع شهر سبتمبر/أيلول المقبل، تحت شعار «بناء اقتصاد عالمي إبداعي ونشيط ومترابط وشامل».
وتبدو قمة العشرين إحدى أهم مفاصل التحولات الدولية، لأنها تجمع بين دول غنية متطورة ودول ناشئة، مما أسهم في إحداث تغيير جذري في الجغرافيا السياسية والاقتصادية للعالم، فلأول مرة يحدث تلاق بين دول ظلت لسنوات طويلة تقبض على القرار الدولي، السياسي والاقتصادي خاصة، ودول كانت في معظمها مستعمرات لتلك الدول، ومن ثم استقلت، وتحولت إلى قوى اقتصادية كبرى، مثل: كوريا والصين والهند والبرازيل، لكن الاقتصاد الرأسمالي يجمع بين تلك القوى كلها، فبعد انهيار الشيوعية مطلع التسعينات من القرن الماضي أصبح هناك إجماع دولي على أن نمط الإنتاج الرأسمالي هو النمط الوحيد القادر على التكيف مع الظروف، ودون شك، ولا يمكن أن تكون الرأسمالية المعيار الوحيد لتطور المجتمعات، لكن طالما أن القوى الرئيسية تعتمد الاقتصاد الرأسمالي، فإن الدول الثانوية مضطرة للسير وفق ما تريد تلك القوى. ولعل ظهور مجموعة العشرين هو دليل على أن القوى الرئيسية لم تكن واثقة من أدائها الاقتصادي الرأسمالي، فقد خشيت حدوث أزمات قد تودي بها إلى الهاوية، فسعت إلى جذب الدول الناشئة والغنية من العالم النامي، وبما يخدم القوة المركزية المالية والاقتصادية الغربية المتحكمة بمفاصل الاقتصاد الدولي. ونشأة هذه المجموعة تؤكد أن الهدف منها كان، منذ البداية، جمع الينابيع المالية المتفرقة هنا وهناك، وجعلها تصب في مجرى واحد يشكل نبعاً يرفد الاقتصاد الدولي خلال الانتكاسات الاقتصادية.
وقد أنشئت مجموعة العشرين بهدف تعزيز الاستقرار المالي الدولي، وإيجاد فرص للحوار بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة، وقد روعي في إنشائها، التوزيع الجغرافي والديني عبر العالم، فمثلاً تم ضم ثلاث دول إسلامية إلى المجموعة هي (السعودية، وتركيا، وإندونيسيا)، وذلك كدول ممثلة عن العالم الإسلامي. وأضيفت دولة جنوب إفريقيا لتمثل القارة السمراء، كما أضيفت البرازيل والأرجنتين كممثلتين عن أمريكا الجنوبية. أما أمريكا الشمالية فقد تم إشراك كل دولها وهي (الولايات المتحدة وكندا، والمكسيك) وتم إشراك (الاتحاد الأوروبي) والدول الثماني الكبرى، إضافة إلى الصين، والهند، وكوريا الجنوبية، وأستراليا. ورغم أنها أنشئت منذ أكثر من عشر سنوات إلا أنها ظلت خاملة، حيث كانت تنعقد سنوياً على مستوى الوزراء، حتى وقعت الأزمة المالية في الولايات المتحدة عام 2008، التي لا تزال نتائجها مستمرة حتى اليوم، فبدأت تأخذ طابعاً رسمياً أكثر، حيث يجتمع قادة تلك الدول لمناقشة التداعيات الاقتصادية العالمية.
ففي 15 نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام انعقدت أول قمة لها على مستوى رؤساء الدول والحكومات، وكان على جدول أعمالها معالجة قضايا المناخ العالمي، والأزمة المالية. ومع تنوع وقوة الدول المشاركة في القمة، إلا أننا لا ينبغي أن نضخم دورها الحالي، فالقرارات الغائبة أو المغيبة عنها هي القرارات التي يمكن أن تحدث تغييراً فعلياً على الوضع الراهن للنظام المالي والاقتصادي الدولي، لإزالة الخلل الكبير فيه. وتبدو المشكلة الكبرى أن القوى الغربية غير معنية بترك المجال للدول الناشئة للمشاركة في إيجاد الحلول للأزمات التي تعترض سبيل الاقتصاد الدولي. وهذه الأزمات نشأت بسبب الأسس التي بُنِيَ عليها هذا الاقتصاد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي مقدمة ذلك اتفاقية «بريتونوودز» التي جعلت الدولار الأمريكي معياراً مالياً دولياً بدلاً من معدن الذهب.
ورغم أن قمة العشرين لا تزال مستمرة كتكتل يجمع العديد من الدول، لكنها لن تتمكن من معالجة الخلل الذي حدث في العالم. فالعنوان الأبرز للقمة السابقة، التي عقدت في أنطاليا بتركيا بتاريخ 15 من نوفمبر 2015، كان معالجة الأزمة المالية الحالية، وإنقاذ الاقتصاد العالمي، لكن التعارض بين المحاور العالمية سوف يعمق الأزمة المالية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي الذي تقوده الدول الغربية، وهكذا ستبقى قمة العشرين مجرد منتدى دولياً تحاول دول كل محور إثبات وجودها في الوقت الذي تعمل في الخفاء على تدمير قوى المحور الآخر.
نتمنى أن نرى عالماً وعهداً جديداً بعد هذه القمة لخير الإنسان والإنسانية بأسرها، ليعم البشر عالماً من القيم الأخلاقية العليا والموضوعية المستقرة.
---------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 21-8-2016.