كثيرة هي التعليقات السلبية التي صاحبت انعقاد القمة العربية السابعة والعشرين في موريتانيا، وأعقبتها في الأيام الماضية. أثارت هذه القمة، التي عُقدت متأخرة شهرين بعد اعتذار المملكة المغربية عن استضافتها، كل ما لدى العرب من شجون. تراوحت التعليقات عليها بين الرثاء والتهكم، وعبرت في مجملها عن الألم لما آل إليه حال العرب في السنوات الأخيرة.
والألم العميق شعور طبيعي في مثل هذا الوضع، لكن الأمل يظل ضرورياً مهما بلغ شعورنا بالألم، وإذا لم يجد المرء أمامه ما يبعث على الأمل، عليه أن يُذكِّر نفسه وغيره بأنه ما من نفق مظلم دخلته أمة عبر التاريخ إلا كان هناك ضوء خافت في نهايته، كما أن لدينا قصص نجاح في دول عربية عدة، لكن حالة المشهد العام تحجبها عن أنظار الكثير منا.
لذا كان شعار «قمة الأمل» الذي رُفع في نواكشوط موفقاً من هذه الزاوية، وربما يكون انعقاد القمة أحد عوامل التمسك بالأمل، ولم يكن هذا سهلاً بأي حال. والأرجح أنه ما كان لأحد أن يستغرب تأجيل انعقادها إلى أجل غير مسمى لو حدث ذلك، فلا ينبغي إذن الاستخفاف بأهمية انعقادها حتى وإن بدت قمة رمزية مختصرة لا تُقدم شيئاً فعلياً.
كانت القمة رمزية شكلاً وموضوعاً، فقد حضرها ثمانية فقط من قادة الدول العربية، وهو العدد الأقل في تاريخ مؤتمرات القمة العربية، وغادر أحدهم قبل أن تنتهي الجلسة الأولى، كما أنها اختُتمت في يوم انعقادها، واقتصرت على الجلسة الأولى التي تتسم بطابع بروتوكولي وتشهد تسليم رئاسة القمة وإلقاء رؤساء الوفود كلماتهم، وجلسة ختامية أعقبها مؤتمر صحفي لإصدار «إعلان نواكشوط»، وقد تم الانتهاء من هذا الإعلان قبيل يوم القمة، بعد أن حدث تفاهم على الابتعاد عن القضايا الخلافية، والتركيز على المسائل التي يوجد اتفاق عليها، مثل مواجهة الإرهاب، وقضية فلسطين، ورفض التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية، مع الاكتفاء بإعادة إنتاج المواقف التقليدية التي سبق اتخاذها في مؤتمرات القمة الأخيرة.
وكان هذا ضرورياً، رغم أنه جعل إعلان «نواكشوط» بعيداً عن الواقع بمسافات شاسعة في فقراته التي تناولت قضايا مثل حماية الأمن القومي العربي الذي لم يعد أحد يعرف معنى له، وتعزيز الأمن والسلم العربيين اللذين لا يجد كثيرون إلا القليل منهما، ومركزية القضية الفلسطينية التي تراجعت أهميتها، وفي هذا السياق تبين أن الخلاف على بعض تفاصيل تشكيل قوة عربية مشتركة ما زال مستمراً، إذ غابت هذه القضية ضمن المسائل التي حدث تفاهم على استبعادها من «إعلان نواكشوط» رغم أن القمة السابقة في شرم الشيخ أقرتها مبدئياً.
أما الأهداف العامة التي حفل بها الإعلان فقد بدت كما لو أنها قادمة من زمن سحيق، إذ صيغت بلغة إعلانات مؤتمرات القمة الأولى في الستينيات والسبعينيات، مثل تماسك الصف العربي انطلاقاً من وحدة الهدف والمصير، وصيانة الوحدة الثقافية العربية، وتأكيد جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ومع ذلك يبقى الأمل الذي اتُخذ شعاراً للقمة قائماً مهما بدا بعيداً. ويمكن لتطوير جامعة الدول العربية أن يساهم في تقريبه إذا التزم الأمين العام الجديد بما ورد في كلمته عن أن «الجامعة تحتاج بشكل عاجل إلى التجديد والتطوير والتمويل اللازم لذلك بما يجعلها قادرة على أداء عملها»، فقد سُمع مثل هذا الكلام كثيراً، لكنه ظل كلاماً، وبإمكان الأمين العام أن يجد دعماً كافياً من دول عربية عدة في حالة وضع خطة واقعية ومقنعة لتطوير الجامعة وتفعيل دورها.
ويظل الأمل الأكبر، والأصعب، أن تشهد الشهور العشرة حتى موعد القمة القادمة في مارس 2017 تطوراً ملموساً في حل الأزمات الكبرى التي تطغى على المشهد العربي.
ومن علامات التمسك بهذا الأمل في قمة نواكشوط الاتفاق على أن تستضيف اليمن القمة القادمة، وهنا تحديداً يرتبط المعنى المتضمن في شعار «قمة الأمل» بالهدف الذي تسعى إليه عملية إعادة الأمل في اليمن، أي إكمال تحريره وبسط سيطرة سلطته الشرعية على كل أنحائه خلال الشهور المقبلة، فلنتمسك بالأمل رغم شدة الألم.
------------------------------
* نقلا عن الاتحاد ا لإماراتية، 3-8-2017